﴿ مُكَلِّبِينَ ﴾ : جمع مكلِّب بالتشديد وهو الذي يؤدب الكلاب ويعلّمها أن تصيد لأصحابها، وإنما اشتق الاسم من الكلب مع أنه يعلّم الكلاب والبزاة وغيرها لأن التأديب أكثر ما يكون في الكلاب.
المعنى الإجمالي
خاطب الله سبحانه المؤمنين، فأمرهم بالوفاء بالعهود التي بينهم وبين الله والناس، ثم ذكر ما أباح لهم من لحوم الإبل والبقر والغنم بعد الذبح، وما حرّم عليهم من الميتة والدم ولحم الخنزير إلى آخر ما ذكر في آية المحرمات التالية، كما ذكر الله تعالى أنه أباح الصيد لعباده إلا في حالة الإحرام.
ونهى الله تعالى في الآية الثانية عن إحلال الشعائر كالصيد في الإحرام، والقتال في الشهر الحرام، والتعرض للهدي والقلائد التي تهدى لبيت الله، والتعرض لقاصدي المسجد الحرام الذين يبتغون الفضل والرضوان من الله بقتالهم أو الاعتداء عليهم، ثم أباح الله تعالى الصيد لعباده بعد التحلل من الإحرام، وزجرهم عن الاعتداء على الغير بسبب بغضهم لهم، فإن الظلم ممقوت وقد حرم الله البغي والعدوان بجميع صوره وضروبه، وأمر بالتعاون على البر والتقوى، وعدم التعاون على الإثم والعدوان وختم الآية بالتهديد، والوعيد لمن خالف أمر الله.
وفي الآية الثالثة عدّد الله تعالى المحرمات التي ذكرها بالإجمال في أول السورة ﴿ إِلاَّ مَا يتلى عَلَيْكُمْ ﴾ فبينها هنا بالتفصيل وهي أحد عشر شيئاً كلها من قبيل المطعوم إلا الأخير وهو ( الإستقسام بالأزلام ) وهذه المحرمات هي التي كان أهل الجاهلية يستحلونها فحرمتها الشريعة الإسلامية وهي ( الميتة، الدم، لحم الخنزير، ما ذبح لغير الله، المنخنقة، الموقوذة ( المقتولة ضرباً ) المتردية ( الساقطة من علو فماتت ) النطيحة ( المقتولة بنطح أخرى ) ( ما أكل السبع ) بعضه إلا إذا أدرك قبل الموت من هذه الأشياء فذبح، الذبح الشرعي، وما قصد بذبحه النصب ( الأصنام ) وكذلك حرّم الله تعالى الاستقسام بالأقداح التي هي - على زعمهم - استشارة للآلهة في أمورهم، فإن أمرتهم ائتمروا، وإن نهتهم انتهوا، وبيّن الله تعالى أن هذا فسق من عمل الشيطان.
وختم الله تعالى الآيات الكريمة بأنه أكمل الدين وأتم الشريعة، وأحل الطيبات، وحرّم الخبائث إلا في حالة الاضطرار، التي يباح فيها للإنسان ما حرّمه الله تعالى عليه.
سبب النزول
روى ابن عباس رضي الله عنهما أن المشركين كانوا يحجون البيت، ويهدون الهدايا، ويعظّمون المشاعر وينحرون، فأراد المسلمون أن يغيروا عليهم فأنزل الله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ الله ﴾.
وجوه القراءات
١ - قرأ الجمهور ﴿ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ ﴾ بفتح النون في ( شنَآنُ )، وقرأ ابن عامر بسكون النون.
٢ - قرأ الجمهور ﴿ أَن صَدُّوكُمْ ﴾ أي من أجل أن صدوكم، وقرأ ابن كثير بالكسر ( إن صدوكم ) على أنها شرطية.
٣ - قرأ الجمهور ﴿ وَمَآ أَكَلَ السبع ﴾ بضم الباء، وقرأ أبو رزين ( السّبْعُ ) بسكون الباء.