٤ - قرأ الجمهور ﴿ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النصب ﴾ بضم الصاد، وقرأ الحسن ( النّصْب ) بسكون الصاد.
لطائف التفسير
اللطيفة الأولى : نهى الله تعالى عن التعرض للهدي ثم خصّ بالذكر ( القلائد ) أي ذوات القلائد فيكون هذا من باب عطف الخاص على العام كقوله تعالى :﴿ وملائكته وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وميكال ﴾ [ البقرة : ٩٨ ] للتنبيه على زيادة الشرف والفضل، ويجوز أن يكون المراد القلائد نفسها، فنهى عن التعرض لقلائد الهدي مبالغة في النهي عن التعرض للهدي أي لا تحِلّوا قلائدها فضلاً عن أن تحلوها كما في قوله تعالى :﴿ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ﴾ [ النور : ٣١ ] نهى عن إبداء الزينة مبالغة عن إبداء مواقعها.
اللطيفة الثانية : جرت سنة الجاهلية على مبدأ العصبيّة العمياء ( انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً ) وهو المبدأ الذي عبّر عنه الشاعر الجاهلي بقوله :

وهل أنا إلاّ من غُزَيَّة إن غوتْ غويتُ وإن ترشد غُزيةُ أرشد
وجاء الإسلام بهذا المبدأ الإنساني الفاضل الذي عبّر القرآن الكريم بقوله :﴿ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى البر والتقوى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإثم والعدوان ﴾ [ المائدة : ٢ ] وشتان شتّان بين هذين المبدأين!!
اللطيفة الثالثة : الاستقسام بالأزلام أي بالقداح، وقد كانوا في الجاهلية إذا أرادوا سفراً، أو غزواً، أو تجارةً أو نكاحاً، أو اختلفوا في أمر نسبٍ، أو أمر قتيل، أو تحمل عقل، أو غير ذلك من الأمور العظام، جاءوا إلى ( هُبل ) أعظم أصنامهم بمكة وجاءوا بمائة درهم فأعطوها صاحب القداح، حتى يجيلُها لهم ويستشيروا آلهتهم ( الأصنام ) فإن خرج أمرني ربي فعلوا ذلك الأمر، وإن خرج نهاني ربي لم يفعلوا، وإن خرج غُفْل أجالوا ثانياً حتى يخرج المكتوب عليهم، فنهاهم الله عن ذلك وسمّاه فسقاً.
اللطيفة الرابعة : في قوله تعالى :﴿ اليوم يَئِسَ الذين كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ ﴾ لم يرد يوماً بعينه، وإنما أراد به الزمان الحاضر وما يتصل به من الأزمنة الماضية والآتية كقول الرجل : كنتُ بالأمس شاباً وأنا اليوم أشَيَبُ، فلا يريد بالأمس الذي قبل اليوم، ولا باليومِ اليوم الذي هو فيه، بل يريد به الزمان الماضي والحاضر.
اللطيفة الخامسة : نزلت هذه الآية الكريمة ﴿ اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً ﴾ على رسول الله ﷺ في حجة الوداع، ورسول الله ﷺ بعرفة، في يوم جمعة، فكان ذلك اليومُ عيداً على عيد، روي أن رجلاً من اليهود جاء إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال يا أمير المؤمنين : آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً، قال : أيَّ آية تعني؟ قال :﴿ اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾ الآية فقال عمر : والله إني لأعلم اليوم الذي نزلت على رسول الله ﷺ فيه، والساعة التي نزلت فيها، نزلت على رسول الله عشية عرفة في يوم جمعة.
و « روي أنه لما نزلت هذه الآية بكى عمر، فقال له النبي ﷺ : ما يبكيك يا عمر؟ قال : أبكاني أنّا كنا في زيادة من ديننا، وإنه لا يكمل شيء إلا نقص، فقال : صدقت، فكانت هذه الآية نَعيَ رسول الله ﷺ فما لبث بعد ذلك إلاّ إحدى وثمانين يوماً ».


الصفحة التالية
Icon