الأحكام الشرعية
الحكم الأول : ما المراد بالعقود في الآية الكريمة؟
قال بعض العلماء : المراد بالعقود عقود الدّيْن والمعاملة، وهي ما عقدة الإنسان على نفسه من بيع، وشراء، وإجارة، وغير ذلك ممّا يتعامل به الناس، وهو قول الحسن.
وقال آخرون : المراد بها عقود الشريعة من حج، وصيام، واعتكاف، وقيام، ونذور وما أشبه ذلك من الطاعات، وهو قول ابن عباس ومجاهد، ورجّحه الطبري.
والصحيح كما قال القرطبي وجمهور المفسرين أن المراد بالعقود ما يشمل عقود المعاملة وعقود الشريعة وهي التكاليف والواجبات الشرعية التي فرضها الله على عباده، وما أُحل وحرّم عليهم.
قال القرطبي : قال الزجاج : المعنى أوفوا بعقد الله عليكم، وبعقد بعضكم على بعض. وهذا كله راجع إلى القول بالعموم، وهو الصحيح في الباب، لقوله عليه السلام :« المؤمنون عند شروطهم ».
الحكم الثاني : المحرمات من الأنعام التي أشارت إليها الآية الكريمة.
ذكرت الآية الكريمة المحرمات من الأنعام بالتفصيل وهي ( الميتة، الدم، لحم الخنزير، ما ذبح للأصنام أو ذكر عليه اسم غير الله، المنخنقة، الموقوذة، المتردية، النطيحة، فما أكله السبع أي ما افترسه ذو ناب وأظفار كالذئب والأسد ) وقد استثنى الباري جل وعلا من ( الموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكله السبع ) ما أدركه الإنسان حياً فذكاه التذكية الشرعية.
وقد اختلف الفقهاء في الذكاء هل تحل هذه الأنواع التي لها حكم الميتة؟ فالمشهور من مذهب الشافعية وهو مذهب الحنفية أن الحيوان إذا أُدرك وبه أثر حياة كأن يكون ذنبه يتحرك، أو رجله تركض ثم ذَكّي فهو حلال.
وقال بعضهم : يشترط في الحياة أن تكون مستقرة، وهي التي لا تكون على شرف الزوال، وعلامتها على ما قيل : أن يضطرب بعد الذبح لا وقته.
وروي عن مالك أنه إذا غلب على الظن أنه يهلك فلا يحل ولا يؤثر فيه الذكاة، وروي عنه قول آخر مثل قول الشافعية والحنفية أنه يحلّ إذا كان به أدنى ما يدرك به الذكاة.
وسبب الخلاف بين الفقهاء هو الاستثناء في الآية الكريمة ﴿ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ ﴾ هل هو استثناء متصل أم منقطع؟ فمن رأى أنه متصل يرى أنه أخرج من حكم التحريم ويكون معنى الآية : إلاّ ما أدركتموه وفيه بقية حياة وذكيتموه فإنه حلال لكم أكله.
ومن رأى أنه منقطع يرى أن التذكية لا تحلّ هذه الأنواع، وأن الاستثناء من التحريم لا من المحرمات، ومعنى الآية : حرّم عليكم سائر ما ذكر لكن ما ذكيتم مما أحله الله تعالى بالتذكية فإنه لحلال لكم.