والراجح أن الاستثناء متصل لأنه لو تردى الحيوان ولم يمت ثم ذبح بعد أيام جاز أكله باتفاق فلا وجه للقول الآخر والاستثناء المتصل على ما تقدم يرجع إلى الأصناف الخمسة من المنخنقة وما بعدها، وهو قول علي وابن عباس والحسن، وقيل : إنه خاص بالأخير، والأول أظهر.
الحكم الثالث : كيف تكون الذكاة الشرعية؟
أ - قال مالك : لا تصح الذكاة إلا بقطع الحلقوم والودجين.
ب - وقال الشافعي : يصح بقطع الحلقوم والمريء ولا يحتاج إلى الودجين، لأنهما مجرى الطعام والشراب.
ج - وقال أبو حنيفة : يجزئ قطع الحلقوم والمريء وأحد الودجين.
والتفصيل في كتب الفقه، إلا أن مالكاً وأبا حنيفة اعتبروا الموت على وجهٍ يطيب معه اللحم، ويفترق فيه الحلال - وهو اللحم - من الحرام، وذلك بقطع الأوداج التي يسيل منها الدم كقوله عليه السلام :« ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ».
وأما الآلة التي تجوز بها الذكاة فهي كل ما أنهر الدم، وفرى الأوداج سوى السن والظفر.
وأجاز أبو حنيفة الذكاة بالسن والظفر إذا كانا منزوعين.
فأما البعير إذا توحش، أو تردّى في بئر، فهو بمنزلة الصيد ذكاته عقْرُه، لما رواه البخاري والنسائي وأبو داود عن ( رافع بن خديج ) قال :« كنّا مع رسول الله ﷺ في سفره، فندّ بعير من إبل القوم، ولم يكن معهم خيل، فرماه رجلٌ بسهم فحبسه، فقال رسول الله ﷺ : إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش، فما فعل منها هذا فافعلوا به هكذا ».
وقال مالك : ذكاتُه ذكاةُ المقدور عليه. قال الإمام أحمد : لعلّ مالكاً لم يسمع حديث رافع بن خديج.
وقد تأويل ابن العربي في تفسيره « أحكام القرآن » : الحديث بأن مفاده جواز حبس ما ندّ من البهائم بالرمي وغيره، لأنّ ذلك ذكاة لها، وأنه لا بدّ من الذبح للأنعام.
الحكم الرابع : حكم صيد السباع والجوارح.
دلّ قوله تعالى :﴿ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ الجوارح مُكَلِّبِينَ ﴾ أي معلمين لها الصيد، على جواز أكل ما صاده سباع البهائم والجوارح، كالكلب والفَهْد، والصقر والبازي، بشرط أن يكون الحيوان أو الطير معلّماً.
وقد اتفق الفقهاء على جواز صيد كل كلب معلّم لقوله عليه السلام لعدي بن حاتم :« إذا أرسلت كلبك المعلّم وذكرت اسم الله تعالى فكل مما أمسك عليك، فإن أكل منه فلا تأكل ».
وشرط بعضهم في الكلب المعلّم شروطاً ينبغي أن تتوفر حتى يحل صيده منها :
١ - أن يكون معلّماً يجيب إذا دعي، وينزجر إذا زجر لقوله تعالى :﴿ تُعَلِّمُونَهُنَّ ﴾.
٢ - أن لا يأكل من صيده الذي صاده لقوله تعالى :﴿ فَكُلُواْ مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ﴾.
٣ - أن يذكر اسم الله تعالى عند إرساله لقوله تعالى :﴿ واذكروا اسم الله عَلَيْهِ ﴾ وقوله ﷺ :« وذكرت اسم الله تعالى ».
٤- أن يكون الذي يصيد بهذا الحيوان مسلماً، وشرط بعضهم ألا يكون الكلب أسود.
وفي بعض هذه الشروط خلاف بين الفقهاء يعلم من كتب الفقه والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon