[ الأنعام : ١٢١ ] وقوله :﴿ وَلاَ تَنْكِحُواْ المشركات حتى يُؤْمِنَّ ﴾ [ البقرة : ٢٢١ ].
أما أهل الكتاب فلهم حكم خاص من حيث الذبائح، والنكاح، وأما المجوس فقد سُنّ بهم سنة أهل الكتاب في أخذ الجزية منهم دون أكل ذبائحهم ونكاح نسائهم.
وقد روي عن علي رضي الله عنه أنه استثنى نصارى ( بني تغلب ) وقال : ليسوا على النصرانية ولم يأخذوا منها إلا شرب الخمر، وبه أخذ الشافعي رحمه الله.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن ذبائح نصارى العرب فقال : لا بأس به، وبه أخذ أبو حنيفة رحمه الله.
وإنما قال تعالى :﴿ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ ﴾ ولم يذكر النساء للتنبيه على أن الحكم مختلف في الذبائح والمناكحة، فإن إباحة الذبائح حاصلة من الجانبين، بخلاف إباحة المناكحات فإنها في جانب واحد، والفرق واضح لأنه لو أبيح لأهل الكتاب التزوج بالمسلمات، لكان لأزواجهن الكفار ولاية شرعية عليهن، والله تعالى لم يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلاً، بخلاف إباحة الطعام من الجانبين فإنها لا تستلزم محظوراً.
الحكم الثاني : حكم نكاح اليهودية أو النصرانية.
ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه يحل التزوج بالذمية من اليهود والنصارى، واستدلوا بهذه الآية الكريمة ﴿ والمحصنات مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ ﴾.
وكان ابن عمر رضي الله عنهما لا يرى ذلك ويحتج بقوله تعالى :﴿ وَلاَ تَنْكِحُواْ المشركات حتى يُؤْمِنَّ ﴾ [ البقرة : ٢٢١ ] ويقول : لا أعلم شركاً أعظم من قولها : إن ربها عيسى، واستدل أيضاً بأن الله أوجب المباعدة عن الكفار في قوله :﴿ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ ﴾ [ الممتحنة : ١ ].
أقول : الآية صريحة في جواز نكاح الكتابيات، وهي دليل واضح لما ذهب إليه الجمهور، ولعلّ ابن عمر كره الزواج بالكتابيات ومنع منه، خشية على الزواج أو على الأولاد من الفتنة، فإن الحياة الزوجية تدعو إلى المحبة، وربما قويت المحبة فصارت سبباً إلى ميل الزوج إلى دينها، والأولاد يميلون إلى أمهم أكثر، فربما كان هذا سبباً في تأثرهم بدين النصرانية أو اليهودية فيكون هذا الزواج خطراً على الأولاد، فإذا كان ثمة خشية من الفتنة على الزوج أو الأولاد فيكون الزواج قطعاً محرماً، وأمّا إذا لم يكن هناك خطراً، أو كان هناك طمع في إسلامها فلا وجه للقول بالتحريم والله أعلم.
الحكم الثالث : هل يجب الوضوء على غير المحدث؟
ظاهر قوله تعالى :﴿ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصلاة ﴾ يوجب الوضوء على كل قائم وإن لم يكن محدثاً، وقد أجمع العلماء على أن الوضوء لا يجب إلا على المحدث، فيكون قيد الحدث مضمراً في الآية ويصبح المعنى ( إذا قمتم إلى الصلاة وأنتم محدثون ) وإنما أوّلوا الآية بهذا التأويل للإجماع على أن الوجوب لا يجب إلا على المحدث، ولأن في الآية ما يدل عليه، فإن التيمم يدل عن الوضوء وقائم مقامه، وقد قيد وجوب التيمم في الآية بوجود الحديث، فالأصل يجب أن يكون مقيداً به، ليتأتى أن يكون البدل قائماً مقام الأصل، ولأن الأمر بالوضوء نظير الأمر بالاغتسال وهو مقيد بالحدث الأكبر في قوله تعالى :﴿ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فاطهروا ﴾ فيكون نظيره وهو الأمر بالوضوء مقيداً بالحدث الأصغر.