ومما يدل على ذلك « أن النبي صلّى الله عليه وسلم يوم الفتح الصلوات الخمس بوضوء واحد، فقال عمر بن الخطاب : يا رسول الله صنعت شيئاً لم تكن تصنعه؟ فقال له ﷺ عمداً فعلته يا عمر » يعني أنه عليه السلام أراد بيان الجواز لأمته بهذا العمل.
وأما ما ورد من أنه عليه السلام وخلفاءه كانوا يتوضؤون لكل صلاة، فإن ذلك لم يكن بطريق الوجوب، وإنما كان بطريق الاستحباب، والرسول ﷺ كان دائماً يحب الأفضل، فليس في فعله ما يدل على وجوب الوضوء لكل صلاة.
الحكم الرابع : ما هو حكم مسح الرأس وما مقداره؟
اتفق الفقهاء على أن مسح الرأس من فرائض الوضوء لقوله تعالى :﴿ وامسحوا بِرُؤُوسِكُمْ ﴾ ولكنهم اختلفوا في مقدار المسح على أقوال :
أ - قال المالكية والحنابلة : يجب مسح جميع الرأس أخذاً بالاحتياط.
ب - وقال الحنفية : يفترض مسح ربع الرأس أخذاً بفعل النبي ﷺ بمسحه على الناصية.
ح - وقال الشافعية : يكفي أن يمسح أقل شيء يطلق عليه اسم المسح ولو شعرات أخذاً باليقين.
دليل المالكية والحنابلة : استدل المالكية والحنابلة على وجوب مسح جميع الرأس بأن الباء كما تكون أصلية تكون زائدة للتأكيد، واعتبارها هنا زائدة أولى، والمعنى : امسحوا رؤوسكم، وقالوا : إن آية الوضوء تشبه آية التيمم، وقد أمر الله تعالى بمسح جميع الوجه في التيمم ﴿ فامسحوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِّنْهُ ﴾ ولمّا كان المسح في التيمم عاماً لجميع الوجه، فكذلك هنا يجب مسح جميع الرأس ولا يجزئ مسح البعض، وقد تأكد ذلك بفعل النبي ﷺ حيث ثبت أنه كان إذا توضأ مسح رأسه كله.
دليل الحنفية والشافعية : واستدل الحنفية والشافعية بأن الباء ( للتبعيض ) وليست زائدة، والمعنى : امسحوا بعض رؤوسكم، إلاّ أن الحنفية قدروه بربع الرأس لما روى عن المغيرة بن شعبة أن النبي ﷺ كان في سفر، فنزل لحاجته ثم جاء فتوضأ ومسح على ناصيته.
وأما الشافعية فقالوا : الباء للتبعيض، وأقل ما يطلق عليه اسم المسح داخل بيقين، وما عداه لا يقين فيه فلا يكون فرضاً، وإنما يحمل على الندب.
قال الشافعي :« احتمل قوله تعالى :﴿ وامسحوا بِرُؤُوسِكُمْ ﴾ بعض الرأس، ومسح جميعه، فدلت السنة على أن مسح بعضه يجزئ، وهو أن النبي ﷺ مسح بناصيته، وقال في موضع آخر : فإن قيل قد قال الله تعالى ﴿ فامسحوا بِوُجُوهِكُمْ ﴾ في التيمم أيجزئ بعض الوجه فيه؟ قيل له مسحُ الوجه في التيمم بدل من غسله، فلا بدّ أن يأتي بالمسح على جميع موْضِع الغسل منه، ومسحُ الرأس أصلٌ فهذا فرق ما بينهما ».