[ ٣ ] حد السرقة وقطع الطريق
التحليل اللفظي
﴿ يُحَارِبُونَ ﴾ : المحاربة من الحرب ضد السلم، والأصل في معنى كلمة الحرب التعدي وسلب المال، والمراد بها في الآية محاربة أولياء الله وأولياء رسوله.
﴿ فَسَاداً ﴾ : الفساد ضد الصلاح، وكل ما يخرج عن وضعه الذي يكون به صالحاً نافعاً يقال إنه فسد، والمراد بالإفساد في الأرض إخافة السبيل، والقتل والجراح وسلب الأموال.
﴿ يقتلوا ﴾ : التقتيل : المبالغة في القتل بحيث يكون حتماً لا هوادة فيه ولا عفو من ولي الدم.
﴿ يصلبوا ﴾ : التصليب : المبالغة في الصلب، أو تكرار الصلب كما قال الشافعي، ومعنى الصلب أن يُربط على خشبة منتصب القامة، ممدود اليدين، وربما طعنوه ليعجلوا قتله.
﴿ مِّنْ خِلافٍ ﴾ : معنى تقطيع الأيدي والأرجل من خلاف أن تقطع اليد اليمنى وتقطع الرجل اليسرى بالعكس.
﴿ يُنفَوْاْ ﴾ : النفي أصله الإهلاك، ومنه النّفاية لرديء المتاع، والنفي من الأرض هو النفي من بلد إلى بلد، لا يزال يطلب وهو هارب فزعاً، وقيل : المراد بالنفي الحبسُ.
﴿ خِزْيٌ ﴾ : الخزي الذي والفضيحة يقال أخزاه الله أي فضحه وأذلّه.
﴿ الوسيلة ﴾ : كل ما يتوسل به إلى الله تعالى من فعل الطاعات وترك المعاصي.
﴿ نَكَالاً ﴾ : أي عقوبة قال في « المصباح » : نكل به ينكل من باب قتل نكلة قبيحة أصابه بنازلة، ونكّل به بالتشديد مبالغة، والاسم النَّكال.
المعنى الإجمالي
يقول الله جل ثناؤه ما معناه : لا جزاء للمفسرين في الأرض إلاّ القتل، والصلب، وقطع اليد والرجل من خلاف، أو النفي من الأرض عقوبة لهم وخزياً، ذلك العذاب المذكور هو المعجّل لهم في الدنيا، ولهم في الآخرة عذاب عظيم هو عذاب النار، إلاّ الذين تابوا من قطاع الطريق من قبل أن تتمكنوا منهم فاعلموا أنه غفور رحيم يغفر الذنب ويرحم العبد.
ثم أمر الله تعالى المؤمنين بتقواه سبحانه، والتقرب إليه بطاعته والعمل بما يرضيه، والجهاد في سبيله لإعلاء دينه ليفوزا بالدرجات الرفيعة، ويكونوا من السعداء المفلحين.
ثم أخبر تعالى أن الذين كفروا بآياته ورسله لو أنّ لأحدهم ملك الدنيا بأجمعه وأضعافه معه، ثم أراد أن يقدمه فداءً وعوضاً ليخلّص نفسه من عذاب الله، ما تقبلّه الله منه، لأن الله تعالى حكم بالخلود في عذاب جهنم على كل كافر، وأن هؤلاء يتمنون أن يخرجوا من النار، ولكن لا سبيل لهم إلى النجاة بوجه من الوجوه، فهم في عذاب مستمر دائم. ثم ذكر تعالى عقاب كل من السارق والسارقة، وأمر بقطع أيمانهما عند توفر الشروط، وبيّن أن تلك العقوبة جزاء ما كسباه من السرقة، عقوبة من الله لهما لإقدامهما على هذه الجريمة المنكرة، وليكون هذا العقاب الصارم عبرة للناس حتى يرتدع أهل البغي والفساد، ويأمن الناس على أموالهم وأرواحهم، وهذا التشريع هو تشريع العزيز في سلطانه الحكيم في أمره ونهيه، الذي لا تخفى عليه مصالح العباد، ومن ضمن حكمته أن يعفو عمن تاب وأناب، وأصلح عمله، وسلك طريق الأخيار


الصفحة التالية
Icon