اللطيفة الرابعة : قدّم السارق على السارقة هنا ﴿ والسارق والسارقة ﴾ وأمّا في آية الزنا فقد قدم الزانية على الزاني ﴿ الزانية والزاني فاجلدوا ﴾ [ النور : ٢ ] والسرّ في ذلك أن الرجل على السرقة أجرأ، والزنى من المرأة أقبح وأشنع، فناسب كلاً منهما المقامُ.
اللطيفة الخامسة : قال الأصمعي : قرأت هذه الآية وإلى جنبي أعرابي فقلت :( والله غفور رحيم ) سهواً، فقال الأعرابي : كلامُ مَنْ هذا؟ قلت : كلام الله، قال : أعد فاعدت : والله غفور رحيم، فقال : ليس هذا كلام الله فتنبهّتُ فقلت ﴿ والله عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ فقال : أصبتَ، هذا كلام الله، فقلت : أتقرأ القرآن؟ قال : لا، قلت : فمن أين علمتَ أني أخطأتُ؟ فقال : يا هذا، عزّ، فحكم، فقطع، ولو غفر، ورحم لما قطع « أقول : هذا يدل على ذكاء الأعرابي وشدة الترابط والانسجام بين صدر الآية وآخرها.
اللطيفة السادسة : قال بعض الملحدين في الاعتراض على الشريعة الغراء بقطع اليد بسرقة القليل، ونظم ذلك شعراً :

يدٌ بخمس مئينَ عَسْجَدٍ ودُيتْ ما بالُها قُطِعتُ في ربع دينار
تحكّمٌ ما لنا إلا السكوتُ له وأنْ نَعوذَ بمولانا من النّار
فأجابه بعض الحكماء بقوله :
عزّ الأمانة أغلاها وأرخصها ذلّ الخيانةِ فافهم حكمة الباري
الأحكام الشرعية
الحكم الأول : من هو المحارب الذي تجري عليه أحكام قطاع الطريق؟
دلت الآية الكريمة على حكم المحاربة والإفساد في الأرض، وقد حكم الله تعالى على المحاربين بالقتل، أو الصلب، أو تقطيع الأيدي والأرجل من خلاف، أو النفي من الأرض وقد اختلف الفقهاء فيمن يستحق اسم المحاربة.
ا - فقال مالك : المحارب عندنا من حمل الناس السلاح وأخافهم في مصرٍ أو برية.
ب - وقال أبو حنيفة : المحارب الذي تجري عليه أحكام قطّاع الطريق من حمل السلاح في صحراء أو برية، وأمّا في المصر فلا يكون قاطعاً لأن المجني عليه يلحقه الغوث.
ج - وقال الشافعي : من كابر في المصر باللصوصية كان محارباً وسواء في ذلك المنازل، والطرق، وديار أهل البادية، والقرى حكمها واحد.
قال ابن المنذر : الكتاب على العموم، وليس لأحد أن يخرج من جملة الآية قوماً بغير حجة، لأن كلاً يقع عليه اسم المحاربة.
أقول : ولعلّ هذا هو الأرجح لعموم الآية الكريمة، وربما كانت هناك عصابة في البلد تخيف الناس في أموالهم وأرواحهم أكثر من قطّاع الطريق في الصحراء.
الحكم الثاني : هل الأحكام الواردة في الآية على التخيير؟
قال بعض العلماء الإمام مخيّر في الحكم على المحاربين، يحكم عليهم بأي الأحكام التي أوجبها الله تعالى من القتل، أو الصلب، أو القطع، أو النفي لظاهر الآية الكريمة ﴿ أَن يقتلوا أَوْ يصلبوا ﴾ وهذا قول مجاهد، والضحاك والنخعي، وهو مذهب المالكية.
قال ابن عباس : ما كان في القرآن بلفظ ( أو ) فصاحبه بالخيار.


الصفحة التالية
Icon