وقال قوم من السلف : الآية تدل على ترتيب الأحكام وتوزيعها على الجنايات، فمن قتل وأخذ المال قتل وصلب، ومن اقتصر على أخذ المال قطعت يده ورجله من خلاف، ومن أخاف السبيل ولم يقتل ولم يأخذ مالاً نفي من الأرض، وهذا مذهب الشافعية والصاحبين من الحنفية وهو مروي عن ابن عباس.
وأبو حنيفة يحمل الآية على التخيير، لكن لا في مطلق المحارب، بل في محارب خاص وهو الذي قتل النفس وأخذ المال فالإمام مخير في أمور أربعة :
أ - إن شاء قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وقتلهم.
ب - وإن شاء قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وصلبهم.
ج - وإن شاء صلبهم فقط دون قطع الأيدي والأرجل.
د -وإن شاء قتلهم فقط حسب ما تقتضيه المصلحة.
ولا بد عنده من انضمام القتل أو الصلب إلى قطع الأيدي، لأن الجناية كانت بالقتل وأخذ المال، والقتلُ وحده عقوبته القتل، وأخذُ المال وحده عقوبته القطع، ففيهما مع الإخافة والإزعاج لا يعقل أن يكون القطع وحده، هذا مذهب الإمام أبي حنيفة.
الحكم الثالث : كيف تكون عقوبة الصلب؟
جمهور الفقهاء على أن الإمام مخيّر على ظاهر الآية، وأنه يجوز له صلب المجرم المحارب لقوله تعالى :﴿ أَوْ يصلبوا ﴾ وكيفية الصلب أن يصلب حيّاً على الطريق العام يوماً واحداً، أو ثلاثة أيام لينزجر الأشقياء، ثم يطعن برمح حتى يموت وهو مذهب المالكية والحنفية وقال قوم : لا ينبغي أن يُصلب قبل القتل ولكن بعده لئلا يحال بينه وبين الصلاة والأكل والشرب، فيقتل أولاً ثم يُصلّى عليه ثم يصلب، وهو مذهب الشافعية.
قال الإمام الشافعي رحمه الله : أكره أن يُقتل مصلوباً لنهي رسول الله ﷺ عن المًثْلة.
وقال الألوسي :« والصلبُ قبل القتل بأن يُصلبوا أحياء وتبعج بطونهم برمح حتى يموتوا ».
الحكم الرابع : متى تقطع يد السارق، وما هي الشروط في حد السرقة؟
السرقة في اللغة أخذ المال في خفاء وحيلة، وأما في الشرع فقد عرفها الفقهاء بأنها ( أخذ العاقل البالغ مقداراً مخصوصاً من المال خفية من حرزٍ معلوم بدون حق ولا شبهة ).
والسارق إنما سمي سارقاً لأنه يأخذ الشيء في خفاء، واسترق السمع : إذا تسمّع مستخفياً، فقطعُ اليد لا يكون في مطلق السرقة، بل في سرقة شخص معين، مقداراً معيناً، من حرز مثله، بهذا ورد الشرع الحنيف.
أما العقل والبلوغ فلأن السرقة جناية، وهي لا تتحقق بدونهما، والمجنون والصغير غير مكلفين، فما يصدر منهما لا يدخل في دائرة التكليف الذي يعاقب عليه الفاعل، وإن كانت السرقة من الصغير لا قطع فيها إلا أنها تدخل في باب التعزير.
وأما المقدار الذي تقطع فيه اليد فقد اختلف الفقهاء فيه، فقال أبو حنيفة والثوري : لا قطع إلا في عشرة دراهم فصاعداً أو قيمتها من غيرها.


الصفحة التالية
Icon