قال القرطبي : وقد اختلف في اليمين الغموس، فالذي عليه الجمهور أنها يمين مكرٍ وخديعةٍ وكذب فلا تنعقد، ولا كفارة فيها.
وقال الشافعي : هي يمين منعقدة لأنها مكتسبة بالقلب، معقودة بخبر، مقرونة باسم الله تعالى وفيها الكفارة. والصحيح الأول، قال ابن المنذر : وهذا قول مالك ومن تبعه من أهل المدينة، وبه قال أحمد : وأصحاب الحديث، وأصحاب الرأي من أهل الكوفة.
أخرج البخاري في « صحيحه » « أن أعرابياً سأل رسول الله ﷺ ما الكبائر؟ قال : الإشراك بالله، قال : ثم ماذا؟ قال : عقوق الوالدين، قال : ثم ماذا؟ قال : اليمين الغموس، قلت : وما اليمين الغموس؟ قال : التي يقتطع بها مال امرئ مسلمٍ هو فيها كاذب ».
الحكم الثاني : هل تصح الكفارة قبل الحنث في اليمين؟
ذهب الشافعية إلى جواز إخراج الكفارة قبل الحنث إذا كانت مالاً، وأمّا إذا كانت صوماً فلا يجوز حتى يتحقق السبب بالحنث، واستدلوا بظاهر هذه الآية ﴿ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ... ﴾ حيث ذكر الكفارة مرتبة على اليمين من غير ذكر الحنث، واستدلوا كذلك بقوله تعالى :﴿ ذلك كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ﴾ وقاسوها أيضاً على إخراج الزكاة قبل الحول.
وأما الصوم فلا ينتقل إليه إلا بعد العجز عن الخصال الثلاثة قبله، ولا يتحقق العجز إلاّ بعد الحنث ووجوب التكفير، واستدلوا بحديث « لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا كفّرتُ عن يميني وأتيتُ الذي هو خير » وهذا القول هو مشهور مذهب مالك رحمه الله.
وذهب الحنفية إلى عدم جواز إخراج الكفارة قبل الحنث، وقالوا : إن في الآية إضمار الحنث فكأنه تعالى يقول : فكفارته إذا حنثتم، وهو على حد قوله تعالى :﴿ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ [ البقرة : ١٨٤ ] أي إذا أفطر في رمضان، واستدلوا بما روي عنه ﷺ أنه قال :« من حلف على يمين ثم رأى غيرها خيراً منها، فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه ».
واستدلوا أيضاً بالمعقول فقالوا : إن الكفارة إنما تجب لرفع الإثم، وإذا لم يحنث لم يكن هناك إثم حتى يرفع فلا معنى للكفارة.
واستدلوا أيضاً بأن كل عبادة فعلت قبل وجوبها لم تصحّ اعتباراً بالصلوات وسائر العبادات، وهذا القول في رواية أشهب عن مالك رحمه الله.
الحكم الثالث : هل يشترط التتابع في صيام كفارة اليمين؟
نصت الآية الكريمة على جواز الصيام عند العجز عن الإطعام، وقد اختلف الفقهاء في الصيام هل يشترط فيه التتابع أم يجزئه التفريق؟
أ - فذهب الحنفية إلى اشتراط التتابع لقراءة ابن مسعود ( فصيامُ ثلاثة أيام متتابعات ) وهو مروي عن عباس ومجاهد.
ب - وذهب الشافعية إلى عدم اشتراط التتابع، وأنه يجزئ التفريق فيها وهو قول مالك.