لطائف التفسير
اللطيفة الأولى : ذكرُ اسم الجلالة في الأمرين ﴿ اتقوا الله ﴾ و ﴿ وَأَطِيعُواْ الله ﴾ لتربية المهابة والروعة في قلوب المؤمنين، وذكرُ اسم الرسول مع الله تعالى أولاً وأخيراً لتعظيم شأنه، وإظهار شرفه، وللإيذان بأن في طاعة الرسول طاعة الله تعالى كما قال عزّ شأنه :﴿ مَّنْ يُطِعِ الرسول فَقَدْ أَطَاعَ الله ﴾ [ النساء : ٨٠ ].
اللطيفة الثانية : توسيطُ الأمر بإصلاح ذات البين ﴿ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ ﴾ بين الأمر بالتقوى، والأمر بالطاعة، لإظهار كمال العناية بشأن الإصلاح بحسب المقام، وليندرج الأمر به بعينه تحت الأمر بالطاعة، فإنّ الإصلاح بين المسلمين من أعظم الطاعات والقربات إلى الله.
اللطيفة الثالثة : قوله تعالى :﴿ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ الشرط متعلق بالأوامر الثلاثة، والجواب محذوف دلّ عليه ما قبله، والمعنى : إن كنتم مؤمنين فاتقوا الله، وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله، وليس الغرض التشكيك في إيمانهم، وإنما هو للإلهاب وتحريك الهمة.
قال الزمخشري :« جعل التقوى، وإصلاح ذات البين، وإطاعة الله ورسوله، من لوازم الإيمان وموجباته، ليعلمهم أن كمال الإيمان موقوف على التوفر عليها ».
الأحكام الشرعية
الحكم الأول : الغنائم وحكمها وكيفية تقسيمها :
وضحت هذه الآية الكريمة حكم الأنفال ( الغنائم ) وذكرت أن أمرها مفوضٌ إلى الله تعالى ورسوله وليس لأحد دخل في قسمتها فالله وحده هو الذي يحكم بما شاء والرسول ﷺ يقسمها بحسب حكم اله تعالى. وقد اختلف العلماء هل هذه الآية محكمة أم منسوخة؟
فذهب الجمهور إلى أنها محكمة لم ينسخها شيء وأن هذه الآية بينت إجمالاً حكم الغنائم ثم وردت الآية الثانية ﴿ واعلموا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ ﴾ [ الأنفال : ٤١ ] فوضحت هذا الإجمال، وبينت بالتفصيل قسمة الغنائم ومصارفها فالخمس يصرف في المصارف التي بينتها الآية الكريمة، والباقي وهو أربعة أخماس يوزع على الغانمين وهذا الرأي الراجح.
وقال بعضهم : إن الآية الكريمة منسوخة بقوله تعالى :﴿ واعلموا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ ﴾ [ الأنفال : ٤١ ] وهذا الرأي ضعيف والصحيح ما ذكرنا من أنه لا نسخ في الآية وإنما هو بيان للإجمال المذكور.
قال ابن كثير : والصواب أنها مجملة محكمة بيّن مصارفها في آية الخمس.
الحكم الثاني : تنفيل بعض المجاهدين من الغنيمة.
التنفيل : إعطاء بعض المجاهدين من الغنيمة قبل قسمتها فاللإمام أن يُنفل من شاء من الجيش قبل التخميس لقصة « سعد بن أبي وقاص » المتقدمة في سبب النزول. ولما روى عن النبي ﷺ أنه قال في غزوة بدر « من قتل قتيلاً فله كذا ومن أسر أسيراً فله كذا » وهذا هو رأي الجمهور وهو الصحيح لظاهر الآية الكريمة.
وقد نقل عن الإمام ( مالك ) رحمه الله أنه كره ذلك وقال هو قتال على الدنيا.