[ الفتح : ٢٥ ] وقوله :﴿ لَتَدْخُلُنَّ المسجد الحرام إِن شَآءَ الله آمِنِينَ ﴾ [ الفتح : ٢٧ ] وقد كان الصد عن دخول مكة، وأخبر تعالى بأنهم سيدخلونها آمنين.
دليل مالك : واستدل مالك رحمه الله بأن العلة وهي ( النجاسة ) موجودة في المشركين. والحرمة ثابتة لكل المساجد، فلا يجوز تمكينهم من دخول المسجد الحرام والمساجد كلها. فقاس مالك جميع الكفار من أهل الكتاب وغيرهم على المشركين، وقاس سائر المساجد على المسجد الحرام ومنع من دخول الجميع في جميع المساجد.
دليل أبي حنيفة : واستدل أبو حنيفة رحمه الله على أن المراد النهي عن تمكينهم من الحج والعمرة بما يلي :
أولاً : قوله تعالى :﴿ بَعْدَ عَامِهِمْ هذا ﴾ فإن تقييد الني بذلك يدل على اختصاص المنهي عنه بوقت من أوقات العام، أي لا يحجوا ولا يعتمروا بعد هذا العام.
ثانياً : قول علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه حين أرسله رسول الله ﷺ ينادي بسورة براءة :« وألاّ يحجّ بعد هذا العام مشرك ».
ثالثاً : قوله تعالى :﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً ﴾ فإن خشية الفقر إنما تكون بسبب انقطاع تلك المواسم ومنع المشركين من الحج والعمرة حيث كانوا يتاجرون في مواسم الحج، فإن ذلك يضر بمصالحهم المالية، فأخبرهم تعالى بأن الله يغنيهم من فضله.
رابعاً : إجماع المسلمين على وجوب منع المشركين من الحج، والوقوف بعرفة، ومزدلفة، وسائر أعمال الحج وإن لم تكن هذه الأفعال في المسجد الحرام.
قال صاحب « الكشاف » :« إن معنى قوله تعالى :﴿ فَلاَ يَقْرَبُواْ المسجد الحرام ﴾ أي لا يحجوا ولا يعتمروا، ويدل عليه قول علي :» وألاّ يحج بعد عامنا هذا مشرك « فلا يمنعون من دخول الحرم، والمسجد الحرام، وسائر المساجد عند أبي حنيفة ».
الحكم الرابع : ما هي الجزية، وما هو مقدارها وممن تؤخذ؟
الجزية : ما يدفعه أهل الكتاب للمسلمين لقاء حمايتهم ونصرتهم، سميت جزية لأنها من الجزاء، جزاء الكفر وعدم الدخول في الإسلام، أو جزاء الحماية والدفاع عنهم.
وقد اختلف الفقهاء في الذين تؤخذ منهم الجزية، فالمشهور عن أحمد : أنها لا تقبل إلا من اليهود والنصارى والمجوس، وبه قال الشافعي.
وقال الأوزاعي : تؤخذ من كل مشرك عابد وثنٍ، أو نارٍ، أو جاحدٍ مكذب.
وقال أبو حنيفة ومالك : الجزية تؤخذ من الكل إلاّ من عابدي الأوثان من العرب فقط.
فأما الذين تؤخذ منهم الجزية فهم الرجال البالغون، فأما الزمنى، والعمي، والشيوخ المسنون، والنساء، والصبيان، والرهبان المنقطعون في الصوامع فلا تؤخذ منهم الجزية.
وأما مقدارها فعلى الموسر ثمانية وأربعون درهماً، وعلى المتوسط أربعة وعشرون درهماً، وعلى الفقير القادر على العمل إثنا عشر درهماً في السنة، وهو قول أبي حنيفة وأحمد رحمهما الله تعالى.
وقال مالك : على أهل الذهب أربعة دنانير، وعلى أهل الفضّة أربعون درهماً، وسواءٌ في ذلك الغني والفقير.


الصفحة التالية
Icon