ثمّ ختم الله تعالى هذه الآية بتذكير المؤمنين بوجوب شكره وتعظيمه على ما سخّر لهم من الأنعام، يتقربون بها إلى المولى جل وعلا، فيأكلون من لحومها، ويتصدقون ببعضها، لينالوا الأجر من الله والثواب العظيم، وليبشرهم بالفضل العميم في جنات النعيم.
سبب النزول
روي عن ابن عباس ومجاهد رضي الله عنهما أن جماعة من المسلمين كانوا قد همّوا أن يفعلوا بذبائحهم فعل أهل الجاهلية، يقطعون لحومها وينشرونها حول الكعبة، وينضحون على الكعبة من دمائها، فلما أسلموا وعزموا على ذلك نزلت الآية الكريمة تزجرهم عن هذا الفعل، وترشدهم إلى ما هو الأجدرُ بهم والأليق.
وجوه القراءات
قرأ الجمهور ﴿ فاذكروا اسم الله عَلَيْهَا صَوَآفَّ ﴾ جمع صافّة، وقرئ ( صوافن ) جمع صافنة وهي القائمة على ثلاث قوائم والرابعة مرفوعة، وقرئ ( صوافي ) جمع صافية بمعنى خالصة لله تعالى.
وجوه الإعراب
أولاً : قوله تعالى :﴿ والبدن جَعَلْنَاهَا ﴾ البُدنَ : مفعول مقدم لجعلنا مثل قوله تعالى :﴿ والقمر قَدَّرْنَاهُ ﴾ [ يس : ٣٩ ] وقرئ برفعها ( والبُدنُ ) على الابتداء.
ثانياً : قوله تعالى :﴿ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ ﴾ الجار والمجرور خبر مقدم و ( خيرٌ ) مبتدأ مؤخر.
ثالثاً : قوله تعالى :﴿ صَوَآفَّ ﴾ منصوب على الحال وهو حال من المفعول البدن.
رابعاً : قوله تعالى :﴿ كذلك سَخَّرَهَا لَكُمْ ﴾ كذلك : نعتٌ لمصدرٍ محذوف تقديره سخرناها لكم تسخيراً كذلك التسخير العجيب، وعلى هذا تكون الكاف صلة، ويصح أن تكون على معناها مفيدة للتشبيه ويكون ذلك من تشبيه الشيء بنفسه مبالغة.
لطائف التفسير
اللطيفة الأولى : بيّن الباري جل وعلا أن تسخيره الأنعام لبني آدم، نعمةٌ من إنعامه تستوجب الشكر وقد جاء هذا الامتنان على العباد ( مجملاً ) في هذه الآية ﴿ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ ﴾ وجاء التفصيل في آيات أخرى كقوله تعالى :﴿ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ * وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ ﴾ [ يس : ٧١-٧٣ ] وكقوله :﴿ والأنعام خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ * وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إلى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأنفس إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ [ النحل : ٥-٧ ].
اللطيفة الثانية : المراد من قوله تعالى :﴿ مِّن شَعَائِرِ الله ﴾ أي من أعلام الشريعة التي شرعها الله لعباده، وإضافتها إلى الله جلّ وعلا للتعظيم مثل ﴿ نَاقَةُ الله ﴾ [ الأعراف : ٧٣ ]، و ( بيت الله ) وإنما كانت هذه البُدنُ من الشعائر، لأن الغرض منها التقرب إلى الله بالهدايا والضحايا وغيرها من وجوه البر والإحسان.


الصفحة التالية
Icon