﴿ هَدْياً بَالِغَ الكعبة ﴾ [ المائدة : ٩٥ ] وقوله :﴿ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حتى يَبْلُغَ الهدي مَحِلَّهُ ﴾ [ البقرة : ١٩٦ ] ومَحِلّه هو الحرم فيجوز أن يذبح في أي مكان من الحرم، في مكة ومنى وغيرها من حدود الحرم لقوله ﷺ :« كل مِنى منحرٌ، وكلّ المزدلفة موقفٌ، وكلّ فِجاج مكة طريق ومنحر ».
ما ترشد إليه الآيات الكريمة
١ - تعظيم الهدي والتقرب به إلى الله من شعائر الدين الإسلامي.
٢ - الهدي والأضحية لا تكون إلاّ من الأنعام ( الإبل والبقر والغنم ).
٣ - الأفضل في الإبل النحرُ، وفي البقر والغنم الذبحُ.
٤ - في إراقة الهدي نفع الفقير، والحصولُ على مرتبة التقوى.
٥ - النسك بالأضاحي فيه إحياء لذكرى ( الفداء ) لإسماعيل مع أبيه الخليل عليهما السلام حين أمر بذبح ولده في المنام.
خاتمة البحث :
حكمة التشريع
جعل الباري - تباركت أسماؤه - الهَدْي والأضاحي من شعائر دين الله، يذبحها المسلم ليتقرب بها إلى ربه جلّ وعلا وينال مغفرته ورضوانه، ولتكون تكفيراً لما جنته يداه من الذنوب والآثام، وليتعودّ على الإخلاص في القول والفعل والعمل، فالمؤمن إنما يذبح على اسم الله، وبأمره جل وعلا، ألاّ يذكر معه اسم غيره، ولا يتوجه إلى أحد سواه، ولا يقصد بعمله غير وجه الله، كما قال تعالى :﴿ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للَّهِ رَبِّ العالمين * لاَ شَرِيكَ لَهُ وبذلك أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ المسلمين ﴾ [ الأنعام : ١٦٢-١٦٣ ].
وبهذا التوجه بالنسك لله يتعود المؤمن على الإخلاص، ويكتسب مرتبة التقوى التي أشارت إليها الآية الكريمة ﴿ لَن يَنَالَ الله لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا ولكن يَنَالُهُ التقوى مِنكُمْ ﴾ [ الحج : ٣٧ ].
ولئن كان المشركون يذبحون هذه القرابين للأصنام رجاء النفع ودفع الضر، فإن المؤمن لا يذبح لصنمٍ، ولا وثن، وإنما يتقرب بنسكه إلى الله وحده، مخلصاً له العبادة جل وعلا والإسلام يربط بين الهدي الذي ينحره الحاج وبين تقوى القلوب، فالتقوى هي الغاية من مناسك الحج وشعائره، وهذه المناسك والشعائر كلها رموزٌ تعبيرية عن التوجه إلى ربّ البيت وطاعته، وهي تحمل في طياتها ( ذكرى الفداء ) ذكرى إقدام الخليل إبراهيم عليه السلام على ذبح ولده ( إسماعيل ) امتثالاً لأمر الله حين أمر بذبح ولده في المنام ﴿ إني أرى فِي المنام أَنِّي أَذْبَحُكَ فانظر مَاذَا ترى ﴾ [ الصافات : ١٠٢ ] إلى قوله :﴿ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ﴾ [ الصافات : ١٠٧ ] فهوى ذكرى لآيةٍ من آيات الله، ومعجزة من معجزاته الباهرة، حين فدى ولد خليله بذبح عظيم، وهي بعد ذلك صدقة وقربى لله بإطعام الفقراء، ومعونة أهل الحاجة من الضعفاء.