وجوّز ( الراغب ) أن يكون معنى جَلَده : أي ضربه بالجِلّد، نحو عَصَاه ضربه بالعصا، ورَمَحه طعنه بالرمح.
والمراد هنا المعنى الأول : فإنّ الأخبار قد دلت على أنّ الزانية والزاني يضربان بسوط ( عصا ) لا عقدة عليه ولا فرع له. ويرى بعضهم : أن الجَلد في العرف الضربُ مطلقاً، وليس خاصاً بضرب الجِلد بلا واسطة.
﴿ رَأْفَةٌ ﴾ : شفقة وعطف، مأخوذ من رؤف إذا رق ورحم، والرؤوف من أسماء الله تعالى : العطوفُ الرحيم، وقيل الرأفة تكون في دفع المكروه، والرحمة أعم، والمراد : النهي عن التخفيف في الجلد، أو إسقاط الحد بالكلية كما نبذه عليه الألوسي.
﴿ دِينِ الله ﴾ : أي في شرع الله وحكمه، أو في طاعته وإقامة حده، وروى عن عطاء أنّ المراد النهي عن إسقاط الحد بشفاعة ونحوها.
﴿ طَآئِفَةٌ ﴾ : الطائفة في الأصل اسم فاعل مؤنث من الطواف، وهو الدَّوران والإحاطة وقد تطلق في اللغة ويراد بها الواحد، أو الجماعة، قال الألوسي : والمراد بالطائفة هنا جماعة يحصل بهم التشهير والزجر، وتختلف قلة وكثرة بحسب اختلاف الماكن والأشخاص.
﴿ لاَ يَنكِحُ ﴾ : المراد بالنكاح هنا ( العقد ) بمعنى لا يتزوج الزاني إلا زانية مثله، ويوافقه سبب النزول كما سيأتي والنفي في الآية بمعنى النهي للمبالغة ويؤيده قراءة ﴿ لا يَنْكِحْ ﴾ بالجزم، ويشبه هذا قوله ﷺ :« لا تُنْكِحُ البِكرُ حتى تُستَأذن » فهو خبر بمعنى النهي أي لا تزوِّجوا البكر حتى تستأذنوها. وقيل المراد بالنكاح في الآية : الوطء وأنكر ذلك الزجاج وقال : لا يعرف النكاح في كتاب الله تعالى إلا بمعنى التزوج.
﴿ مُشْرِكَةً ﴾ : هي التي ليس لها دين سماوي والتي لا تؤمن بالله كالمجوسية، والوثنية، وهي تختلف عن الكتابية في الحكم، فالكتابية يجوز الزواج بها، والمشركةُ لا يجوز قال تعالى :﴿ وَلاَ تَنْكِحُواْ المشركات حتى يُؤْمِنَّ... ﴾ [ البقرة : ٢٢١ ] الآية.
﴿ وَحُرِّمَ ذلك ﴾ : أي حرَّم الله تعالى الزنى على المؤمنين لما فيه من أضرار جسيمة، ومفاسد عظيمة، أو المراد حرم الله نكاح الزانيات والمشركات.
المعنى الإجمالي
يخبر الله جل وعلا بما أنزل على عباده المؤمنين في هذه السورة الكريمة، من تشريع وأحكام ومواعظ وآداب وإرشادات حكيمة، وأخلاق كريمة، ونُظم وتشريعات، بها صلاح دينهم ودنياهم، وسعادتهم في الدنيا والآخرة فيقول سبحانه ما معناه : هذه سورة من جوامع سور القرآن أنزلتها عليكم أيها المؤمنون لتطبقوا أحكامها وتتأدبوا بما فيها من آداب. ولم أنزلها عليكم لمجرد التلاوة وإنما فرضتها عليكم وألزمتكم أن تعملوا بما فيها لتكون لكم قبساً ونبراساً، ولتعتبروا بما فيها من الآيات البيذنات، والدلائل المحكمات والشواهد الكثيرة على رحمة الله تعالى العادلة في تشريع هذه الأحكام التي بها سعادة المجتمع، وحياة الإنسانية