وقال أبو حيان : واختلف في حقيقة السحر على أقوال :
الأول : أنه قلب الأعيان واختراعها بما يشبه المعجزات والكرامات كالطيران، وقطع المسافات في ليلة.
الثاني : أنه خدع وتمويهات وشعوذة لا حقيقة لها وهو قول المعتزلة.
الثالث : أنه أمرٌ يأخذ بالعين على جهة الحيلة، كما كان فعل سحرة فرعون حيث كانت حبالهم وعصيّهم مملوءة زئبقاً، فجّروا تحتها ناراً فحميت الحبال والعصي فتحرّكت وسعت.
الرابع : أنه نوع من خدمة الجن والاستعانة بهم، وهم الذين استخرجوه من جنس لطيف فلطف ودق وخفي.
الخامس : أنه مركب من أجسام تُجمع وتحرق، ويتلى عليها أسماء وعزائم، ثم تستعمل في أمور السحر.
السادس : أن أصله طلسمات تبنى على تأثير خصائص الكواكب، أو استخدام الشياطين لتسهيل ما عسُر.
السابع : أنه مركّب من كلمات ممزوجة بكفر، وقد ضمّ إليها أنواع من الشعبذة، والنازنجيات، والعزائم، وما يجري مجرى ذلك.
ثم قال : وأما في زماننا الآن فكلما وقفنا عليه في الكتب فهو كذب وافتراء، ولا يترتب عليه شيء، ولا يصح منه شيء البتة، وكذلك العزائم وضرب المندل، والناس يصدقون بهذه الأشياء ويصغون إلى سماعها.
الحكم الثاني : هل يباح تعلّم السحر وتعليمه؟
ذهب بعض العلماء : إلى أن تعلُّم السحر مباح، بدليل تعليم الملائكة السحر للناس كما حكاه القرآن الكريم عنهم، وإلى هذا الرأي ذهب ( الفخر الرازي ) من علماء أهل السنة.
وذهب الجمهور : إلى حرمة تعلم السحر، أو تعليمه، لأنّ القرآن الكريم قد ذكره في معرض الذمّ، وبيّن أنه كفر فكيف يكون حلالاً؟
كما أن الرسول ﷺ عدّه من الكبائر الموبقات كما في الحديث الصحيح وهو قوله صلوات الله عليه :
« اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا وما هنّ يا رسول الله؟ قال : الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرّم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات ».
قال الألوسي :« وقيل إنّ تعلمه مباح، وإليه مال الإمام الرازي قائلاً : اتفق المحقّقون على أن العلم بالسحر ليس بقبيح ولا محظور، لأن العلم لذاته شريف لعموم قوله تعالى :﴿ هَلْ يَسْتَوِي الذين يَعْلَمُونَ والذين لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [ الزمر : ٩ ] ولو لم يُعْرف السحر لما أمكن الفرق بينه وبين المعجزة، فكيف يكون تعلمه حراماً وقبيحاً؟
ونقل بعضهم وجوب تعلمه على المفتي حتى يعلم ما يقتل به وما لا يقتل به، فيفتي به في وجوب القصاص »
. انتهى.
ثم قال الألوسي :« والحق عندي الحرمة تبعاً للجمهور، إلاّ لداعٍ شرعي، وفيما قاله الإمام الرازي رحمه الله نظر :
أمّا أولاً : فلأنا لا ندّعي أنه قبيح لذاته، وإنما قبحه باعتبار ما يترتب عليه، فتحريمه من باب ( سد الذرائع ) وكم من أمرٍ حَرُم لذلك.
وأمّا ثانياً : فلأنّ توقف الفرق بينه وبين المعجزة على العلم به ممنوعٌ، ألا ترى أن أكثر العلماء - أو كلّهم - عرفوا الفرق بينهما ولم يعرفوا علم السحر، ولو كان تعلمه واجباً لرأيت أعلم الناس به الصدر الأول.


الصفحة التالية
Icon