ولا شك في أن من يأتي مثل هذه القبيحة النكراء يكون أخس من الحيوان ولكن الرأي الراجح هو ما ذهب إليه الجمهور والله تعالى أعلم.
الحكم الثاني عشر : كيف تثبت جريمة الزنى؟
لما كان الزنى جريمة منكرة وكانت عقوبته عقوبة صارمة وهي ( الجلد أو الرجم ) لذلك فقد شرطت الشريعة الإسلامية شروطاً شديدة من أجل إقامة الحد، فلم تقبل شهادة النساء أبداً، وفرضت أن يكون الشهود من الرجال العدول الذين هم أهل لأداء الشهادة، وأن يكونوا قد رأوا بأم عينهم هذه الفاحشة ( كالميل في المكحلة ) وهذا بلا شك لا يمكن أن يتحقق بسهولة ولا يتصور إلا إذا كان - والعياذ بالله - يرتكبها الفرد على قارعة الطريق كما يفعل الحيوان.
شروط الشهادة في الزنى :
وكان غرض الشارع من هذا التشديد أن يسد السبيل على الذين يتهمون الأبرياء ظلماً أو لأدنى حزازة بعار الدهر وفضيحة الأبد، فاشترط في الشهادة على الزنى الشروط الآتية :
أولاً : أن يكون الشهود أربعة لقوله تعالى :﴿ فاستشهدوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنْكُمْ ﴾ [ النساء : ١٥ ] الآية بخلاف سائر الحقوق فإنه يقبل فيها شهادة اثنين فقط.
ثانياً : أن يكون الشهود ذكوراً، فلا تقبل شهادة النساء في هذا الباب لقوله تعالى :﴿ أَرْبَعةً مِّنْكُمْ ﴾ [ النساء : ١٥ ] أي من الرجال وقوله تعالى :﴿ ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ ﴾ [ النور : ٤ ] الآية. والمراد بالشهداء الرجال بدليل تأنيث العدد.
ثالثاً : أن يكون الشهود من اهل العدالة لقوله تعالى :﴿ وَأَشْهِدُواْ ذَوَىْ عَدْلٍ مِّنكُمْ ﴾ [ الطلاق : ٢ ] الآية وقوله ﴿ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فتبينوا ﴾ [ الحجرات : ٦ ] الآية.
رابعاً : أن يكون الشهود ( مسلمين عاقلين بالغين ) وهذه شروط التكليف.
خامساً : أن يعاينوا الجريمة برؤية فرجه في فرجها كالميل في المكحلة، والرشاء في البئر، لأن النبي ﷺ قال :« ادرءوا الحدود بالشبهات » فربما كان في فراش واحد ولم تحصل منهما جريمة الزنى.
سادساً : اتحاد المجلس بأن يشهدوا مجتمعين، فإن جاؤوا متفرقين لا تقبل شهادتهم وهو مذهب الجمهور.
هذه هي الشروط التي تشترط لإثبات الزنى، وهي الطريقة الأولى.
وهناك طريقة ثانية لإثبات الزنى وهي طريقة ( الإقرار ) بأن يشهد الشخص على نفسه ويعترف صريحاً بالزنى. والإقرار - كما يقولون - سيّدُ الأدلة ﴿ بَلِ الإنسان على نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ﴾ [ القيامة : ١٤ ] وقد أخذ الرسول ﷺ باعتراف ماعز والغامدية، وأقام عليهما الحد بمجرد الاعتراف ولم يكلفهما البينة، ولكن يطلب التثبت في أمر الإقرار. واعتبر بعض الفقهاء ( الحبل ) كقرينة على اقتراف فاحشة الزنى. ولم يحصل في عصره ﷺ إقامة حد الزنى إلا عن طريق الإقرار وذلك في حادثتين اثنتثن هما : حادثة ماعز، وحادثة الغامدية وإليك بيانهما.
١- قصة ماعز الأسلمي :
وري أن ( ماعز بن مالك الأسلمي ) كان غلاماً يتيماً في حجر ( هزال بن نعيم ) فزنى بجارية من الحي فأمره هزال أن يأتي النبي ﷺ ويخبره بما صنع لعله يستغفر له، فجاء النبي ﷺ وهو في المسجد فناداه : يا رسول الله ( إني زنيت فأعرض عنه النبي ﷺ وقال له : ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه، فتنحّى لشق وجهه الذي أعرض قبله فقال ( إني زنيت ) فأعرض عنه النبي ﷺ فتنحّى لشق وجهه الذي أعرض قبله فقال ( طهرني يا رسول الله فقد زنيت ) فقال له أبو بكر الصديق : لو أقررت الرابعة لرجمك رسول الله ﷺ ولكنه أبى فقال يا رسول الله ( زنيت فطهرني ).


الصفحة التالية
Icon