سبب النزول
يرى بعض المفسرين أن هذه الآيات نزلت بسبب ( حادثة الإفك ) التي اتهمت فيها أم المؤمنين العفيفة البريئة الطاهرة الصدِّيقة ( عائشة بنت أبي بكر الصديق ) رضي الله عنها زوج رسول الله ﷺ والتي نزلت براءتها من السماء فكان ذلك درساً بليغاً للأمة، وعبرة للأجيال في جميع العصور والأزمان.
قال ابن جرير الطبري رحمه الله : وذُكِر أن هذه الآية نزلت في الذين رموا عائشة زوج النبي ﷺ بما رموها به من الإفك : ثم روى عن سعيد بن جبير أنه سئل ( هل الزنى أشد أو قذف المحصنة ) ؟ قال : لا بل الزنى، قلت : إن الله يقول :﴿ والذين يَرْمُونَ المحصنات ﴾ قال : إنما هذا في حديث عائشة خاصة.
والصحيح ما ذكره القرطبي واختاره الطبري أن هذه الآية نزلت بسبب القذفة عامة لا في تلك النازلة بعينها فهي حكم من الله عام لكل قاذف، ومن المعلوم أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
لطائف التفسير
اللطيفة الأولى : قوله تعالى :﴿ يَرْمُونَ المحصنات ﴾ أجمع العلماء أن المراد به ( الرمي بالزنى ) واستدلوا على ذلك بوجوه :
أحدها : تقدم ذكر الزنى في الآيات السابقة.
ثانيها : أنه تعالى ذكر ( المحصنات ) وهن العفائف فدل على أن المراد رميها بضد العفاف وهو الزنى.
ثالثها : انعقاد الإجماع على أنه لا يجب ( الجلد ) بالرمي بغير الزنى.
رابعها : قوله تعالى :﴿ ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ ﴾ ومعلوم أن هذا العدد غير مشروط إلا في الزنى. أفاده الفخر الرازي.
اللطيفة الثانية : تخصيص النساء في قوله ﴿ المحصنات ﴾ لخصوص الواقعة، ولأن قذفهن أغلب وأشنع، وفيه إيذاء لهن ولأقربائهن، وإلا فلا فرق بين الذكر والأنثى في الحكم، وقيل في الآية حذف تقديره ( الأنفس المحصنات ) فيكون اللفظ شاملاً للنساء والرجال وقد حُكي هذا عن ابن حزم، والراجح أنه من باب التغليب.
اللطيفة الثالثة : في التعبير بالإحصان إشارة دقيقة إلى أن من قذف غير العفيف ( من الرجال أو النساء ) لا يحد حد القذف، وذلك فيما إذا كان الشخص معروفاً فجوره، أو اشتهر بالعبث والمجون، فإن حد القذف إنما شرع لحفظ كرامة الإنسان الفاضل، ولا كرامة للفاسق الماجن، فتدبر السر الدقيق.
اللطيفة الرابعة : حكم الله تعالى على قاذف المحصنة ( العفيفة ) بثلاث عقوبات.
١- الجلد ثمانين جلدة عقوبة له.
٢- إهدار الكرامة الإنسانية برد الشهادة.
٣- تفسيق القاذف بجعله في زمرة ( الفسقة ).
ولم يحكم في الزنى إلا بالجلد مائة جلدة للبكر، وفي ذلك دليل على خطورة هذه التهمة، وعلى أن القذف من الكبائر، وأن جريمته عند الله عظيمة.
اللطيفة الخامسة : قوله تعالى ﴿ وَأَصْلَحُواْ ﴾ وفيه دليل على أن التوبة وحدها لا تكفي، بل لا بد من ظهور أمارات الصلاح عليه، فإن هذا الذنب مما يتعلق بحقوق العباد ولذلك شدد فيه.


الصفحة التالية
Icon