قال الرازي : قال أصحابنا إنه بعد التوبة لا بد من مضيِّ مدة عليه لظهور حسن الحال حتى تقبل شهادته وتعود ولايته، ثم قدَّروا تلك المدة بسنة كما يضرب للعنيّن أجل سنة.
اللطيفة السادسة : قال ابن تيمية : ذكَرَ تعالى عدد الشهداء، وأطلق صفتهم، ولم يقيدهم ( ممن نرضى ) ولا ( من ذوي العدل ) لكن يقال : لم يقيدهم بالعدالة وقد أمرنا الله أن نحمل الشهادة المحتاج إليها لأهل العدل والرضى لقوله ﴿ وَإِذَا قُلْتُمْ فاعدلوا ﴾ [ الأنعام : ١٥٢ ] وقوله :﴿ كُونُواْ قوامين بالقسط ﴾ [ النساء : ١٣٥ ] وقوله :﴿ وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِم قَائِمُونَ ﴾ [ المعارج : ٣٣ ] فهم يقومون بها بالقسط لله فيشترط هنا ما اشتُرط هناك.
الأحكام الشرعية
الحكم الأول : ما هي الإحصان؟
ورد معنى ( الإحصان ) في الشريعة الإسلامية لأربعة أمور وهي :
أ- العفة : قال تعالى :﴿ والمحصنات مِنَ المؤمنات والمحصنات مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب ﴾ [ المائدة : ٥ ] بمعنى العفيفات من المؤمنات والعفيفات من الكتابيات.
ب- الحرية : قال تعالى :﴿ فَإِنْ أَتَيْنَ بفاحشة فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى المحصنات مِنَ العذاب ﴾ [ النساء : ٢٥ ] أي أن عقوبة الأمة المملوكة نصف عقوبة الحرة.
ج- التزوج : قال تعالى :﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أمهاتكم... ﴾ إلى قوله ﴿ والمحصنات مِنَ النسآء ﴾ [ النساء : ٢٣ - ٢٤ ] أي المتزوجات من النساء.
د- الإسلام : قال ﷺ « من أشرك بالله فليس بمحصن » فالإنسان يكون محصناً بالعفاف وبالحرية وبالإسلام وبالتزوج وأشهر معاني إطلاق لفظ الإحصان ( العفة ) وهو المراد بالآية الكريمة فمن قذف شخصاً غير عفيف لا يحد باتفاق الفقهاء.
الحكم الثاني : ما هي شروط القذف؟
للقذف شروط لا بد من توفرها حتى يكون جريمة تستحق عقوبة الجلد، وهذه الشروط عديدة.. منها ما يجب توفره في ( القاذف ) ومنها ما يجب توفره في ( المقذوف ) ومنها ما يجب توفره في الشيء ( المقذوف به ).
أما شروط القاذف فهي ثلاثة ( ١- العقل، ٢- البلوغ، ٣- الاختيار ) فإن هذه أصل التكليف، ولا تكليف بدون هذه الأشياء والآية الكريمة وإن لم تشرط إلا عجز القاذف عن الإيتان بأربعة شهداء ﴿ ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ ﴾ ولم تشرط العقل والبلوغ وعدم الإكراه، إلا أن ذلك من قواعد الشريعة التي عُلِمت من النصوص الأخرى فإذا قذف المجنون او الصبي أو المكره، فلا حد على واحد منهم لقوله ﷺ :« رفع القلم عن ثلاث : عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق » وقال ﷺ :« رُفعَ عن أمتي الخطأُ والنسيانُ، وما استكرهوا عليه » أي ما أكرهوا عليه من الأقوال والأعمال. ولأن العقل مدار التكليف، والمجنونُ لا يعتد بكلامه فلا يؤثر قذفه... أما إذا كان الصبي مراهقاً بحيث يؤذي قذفه فإنه يعزَّر تعزيراً مناسباً لكن لا يحد حد القذف.


الصفحة التالية
Icon