لأن من شروط حد القذف البلوغ.
الحكم الثالث : ما هي الشروط اللازم توفرها في المقذوف؟
ظاهر الآية الكريمة ﴿ والذين يَرْمُونَ المحصنات ﴾ يتناول جميع العفائف سواء أكانت مسلمة أو كافرة، حرة أو رقيقة إلاَّ أن الفقهاء شرطوا في المقذوف خمسة شروط وهي :( ١- الإسلام، ٢- العقل ٣- البلوغ ٤- الحرية ٥- العفة عن الزنى ) وهذه الشروط يجب أن تتوفر في المقذوف حتىيقام الحد على القاذف وسنفصلها بعض التفصيل :
أولاً : أما الإسلام : فهو شرط لقوله ﷺ :« من أشرك بالله فليس بمحصن » وقد تقدم الحديث ومعناه على رأي جمهور العلماء : من أشرك بالله فلا حد على قاذفه، لأن غير المسلم ( المشرك ) لا يتورع عن الزنى فليس هناك ما يردعه عن ارتكاب الفاحشة إذ أنه ليس بعد الكفر ذنب، وكل جريمة تتصور من الكافر.
قال ابن العربي : ولأن عِرض الكافر لا حرمة له، كالفاسق المعلن لا حرمة لعرضه، بل هو أولى لزيادة الكفر على المعلن بالفسق.
ثانياً : وأما العقل : فلأنَّ الحد إنما شرع للزجر عن الأذية بالضرر الواقع على المقذوف، ولا مضرة على من فقد العقل، فلا يحد قاذفه.
ثالثاً : وأما البلوغ : فالأصل فيه أن الطفل لا يتصور منه الزنى كما لا يتصور النظر من الأعمى، فلا يحد قاذف الصغير أو الصغيرة عند الجمهور. وقال مالك رحمه الله : إذا رمى صبية يمكن وطؤها قبل البلوغ بالزنى كان قذفاً : وقال أحمد رحمه الله : في الصبيَّة بنت تسع يحد قاذفها.
قال ابن العربي : والمسألة محتملة مشكلة، لكن مالك غلْب عرض المقذوف، وغيره راعي حماية ظهر القاذف، وحمايةُ عرض المقذوف أولى لأن القاذف كشف ستره بطرف لسانه فلزمه الحد. وصحح ابن المنذر الرأي الأول فقال : لا يحد من قذف من لم يبلغ، لأن ذلك كذب ويعزر على الأذى.
رابعاً : وأما الحرية : فالجمهور على اشتراطها، لأن مرتبة العبد تختلف عن مرتبة الحر، فقذف العبد - وإنْ كان حراماً - إلا أنه لا يحد القاذف وإنما يعزر لقوله ﷺ :« من قذف مملوكة بالزنى أقيم عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال » ولأن العبد ناقص الدرجة فلا يعظم عليه التعبير بالزنى. قال العلماء :( وإنما كان ذلك في الآخرة لارتفاع الملك، واستواء الشريف والوضيع، والحر والعبد، ولم يكن لأحد فضل إلا بالتقوى، ولما كان ذلك تكافأ الناس، وإنما لم يتكافئوا في الدنيا لئلا تدخل الداخلة على المالكين، وتفسد العلاقة بين السادة والعبيد، فلا تصل لهم حرمة، ولا فضلٌ في منزلة وتبطل فائدة التسخير، حكمة من الحكيم العليم لا إله إلا هو... ).
وأما ابن حزم فقد خالف جمهور الفقهاء، فرأى أن قذف العبد يوجب الحد، وأنه لا فرق بين الحر والعبد في هذه الناحية وقال :« وأما قولهم لا حرمة للعبد، ولا للأَمَةِ، فكلام سخيف، والمؤمن له حرمة عظيمة، وربَّ عبد جلفٍ خيرٌ من خليفة قرشي عند الله تعالى » أقول : رأيُ ابن حزم هذا رأي وجيه لو لم يصادم النص المتقدم الذي استدل به الجمهور والأحكامُ لا تؤخذ بالآراء، وإنما بما ثبت عن المعصوم ﷺ من قوله وفعله.


الصفحة التالية
Icon