.. والحديث ثابت في الصحيحين « فلا عبرة بخلافه.
خامساً : وأما العفة : فهي شرط عند جميع الفقهاء لم يخالف في ذلك أحد وإنما اعتبرناها للنص القرآني الكريم ( يرمون المحصنات ) فشرطت الآية أن يكون المقذوف ( محصناً ) أي عفيفاً، إذ غير العفيف قد يتباهى بالفسق والفجور، ويعتبر ذلك ( تقدمية ) والتمسك بالفضيلة والدين ( رجعية ) كما نسمع في زماننا هذا عن بعض الفاسقين الخارجين على الدين والأخلاق والآداب. ولأن الحد مشروع لتكذيب القاذف فإذا كان المقذوف زانياً فعلاً فالقاذف صادق في قذفه، وإذا كان المقذوف مشهوراً بالمجون والدعارة فقد أوجد شبهة لقاذفه ( والحدودُ تدرأ بالشبهات ) فلا يحد القاذف. ولو زنى شاب في عنفوان شبابه، ثم تاب وحسن حاله ثم شاخ في الصلاح لا يحد قاذفه، لأن القاذف لم يكذب، وإنما يعزّر لأنه أشاع ما يجب ستره وإخفاؤه فكذلك لو قذف شخصاً مشهوراً بالفسق والفجور. ولكن ليس معنى عدم إقامة الحد في هذه الصور الخمس أن قاذف ( المجنون أو الصبي أو الكافر أو العبد أو غير العفيف ) لا يستحق عقوبة بل إنه يستحق التعزير ويبلغ به غايته لأنه أشاع الفاحشة، وقد حذّر الله تعالى منها بقوله :﴿ إِنَّ الذين يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الفاحشة ﴾ [ النور : ١٩ ] الآية.
الحكم الرابع : ما هي ألفاظ القذف الموجبة للحد؟
تنقسم ألفاظ القذف إلى ثلاثة أقسام :( صريح، وكناية، وتعريض ) :
أما الصريح : فهو أن يصرح القاذف في كلامه بلفظ الزنى مثل قوله :( يا زاني، أو يا زانية، أو يا ابن الزنى ) أو ينفي نسبه عنه كقوله : لست ابن أبيك فهذا النوع قد اتفق العلماء على أنه يجب فيه الحد.
أما الكناية : فمثل أن يقول :( يا فاسقة، يا فاجرة، يا خبيثة ) أو هي لا تردُّ يدَ لامس، فهذه لا تكون قذفاً إلا أن يريده، وتحتاج إلى توضيح وبيان.
أما التعريض : فمثل أن يقول :( لست بزانٍ.. وليست هي بزانية )، وقد اختلف العلماء في التعريض هل هو من القذف الموجب للحد أم لا؟ فذهب ( مالك ) رحمه الله إلى أنه قذف، وقال الشافعي وأبو حنيفة : لا يكون قذفاً إلا إذا قال أردت به القذف.
دليل مالك :
استدل مالك بما روي عن عمرة بنت عبد الرحمن : أن رجلين استبا في زمن عمر بن الخطاب فقال أحدهما للآخر : واللَّهِ ما أبي بزان، ولا أمي بزانية، فاستشار عمر في ذلك فقال قائل : مدح أباه وأمه وقال آخرون : قد كان لأبيه وأمه مدح غير هذا نرى أن تجلده الحد، فجلده ثمانين.


الصفحة التالية
Icon