وأما السنة : فما روي عن ابن عباس أن ( هلال بن أمية ) قذف امرأته عند النبي ﷺ بشريك بن سحماء فقال النبي ﷺ :« البينة أو حد في ظهرك » فلم يوجب النبي على هلال إلا حداً مع أنه قذف زوجته وقذف معها ( شريك ين سحماء ).
وأما القياس : فهو أن سائر ما يوجب الحد إذا تكرر منه مراراً لم يجب إلا حد واحد، كمن سرق مراراً، أو شرب الخمر مراراً، لم يحد إلا حداً واحداً فكذا هاهنا.
أدلة الشافعية :
وأجاب الشافعية عن الأول بان قوله ( والذين ) صيغة جمع، وإذا قوبل الجمع بالجمع اقتضى القسمة على الآحاد، فيصير المعنى : كل من رمى محصناً واحداً وجب عليه الحد.
وأجابوا عن الثاني بأنه قذفهما بلفظ واحد وقد قال الشافعي - في القديم - لا يجب إلا حدٌ واحدٌ اعتبارا ً باللفظ.
وأجابوا عن القياس بأنه قياس مع الفارق فإن حد القذف حق الآدمي، بخلاف حد الزنى والشرب فإنه حق الله تعالى وحقوق الآدمي لا تتداخل.
الترجيح : والصحيح الراجح هنا هو رأي الجمهور لقوة أدلتهم لأنه لو قذف قبيلة فأقمنا عليه لكل واحدٍ حداً هلك، والله أعلم.
الحكم السادس : هل تشترط في الشهود العدالة؟
لم تذكر الآية الكريمة في صفة الشهداء أكثر من أنهم ( أربعة ) رجال من أهل الشهادة وللعلماء خلاف في أهل الشهادة من هم؟ فالشافعية يقولون : لا بد للشاهد أن يكون عدلاً، والحنفية يقولون : الفاسق من أهل الشهادة وعلى هذا تظهر ثمرة الخلاف؛ فإذا شهد أربعة فساق على المقذوف بالزنى فهم قذفةٌ عند الشافعية يحدون كما يحد القاذف الأول، والحنفية يقولون : لا حد على القاذف لأنه أتى بأربعة من أهل الشهادة، إلا أن الشرع لم يعتبر شهادتهم لقصور في ( الفاسق ) فثبت بشهادتهم شبهة الزنى فيسقط الحد عنهم وعن القاذف، فكما اعتبرنا التهمة في نفي الحد عن المشهود عليه، فكذلك وجب اعتبارها في نفي الحد عنه وعن الشهود.
وجه قول الشافعي رحمه الله : أنهم غير موصوفين بالشرائط في قبول الشهادة فخرجوا عن أن يكونوا شاهدين وبقوا محض قاذفين فيحدون حد القذف.
وقد ارجح ابن تيمية رحمه الله رأي الأحناف ودفع الحد عن الشهود. لوجود الشبهة، والحدود تدرأ بالشبهات، كما وضَّحت ذلك السنَّة المطهرة.
الحكم السابع : هل يشترط في الشهود أداؤهم للشهادة مجتمعين؟
ظاهر الآية الكريمة أنه لا فرق بين أن يؤدي الشهود شهادتهم مجتمعين أو متفرقين، وهذا مذهب ( مالك والشافعي ) رحمهما الله أخذاً بظاهر الآية.


الصفحة التالية
Icon