وقال أبو حنيفة رحمه الله : إذا جاءوا متفرقين فعليهم حد القذف، ولا يسقط الحد عن القاذف.
حجة مالك والشافعي : أن الآية لم تشترط إلا أن يكونوا أربعة، ولم تَشْرط أداؤهم للشهادة مجتمعين، فيكفي في الشهادة كيفما اتفق مجتمعين، أو متفرقين، بل إن شهادتهم متفرقين أبعدُ عن التهمة، وعلى القاضي أن يفرقهم إذا ارتاب من أمرهم ليظهر له وجه الحق في أدائهم للشهادة هل هم صادقون أم كاذبون؟
حجة أبي حنيفة : أما حجة أبي حنيفة فهي أن الشاهد الواحد لما شهد بمفرده صار قاذفاً فيجب عليه الحد وكذلك الثاني والثالث، ولا خلاص من هذا الإشكال إلا باشتراط الإجتماع.. واستدل بحادثة ( المغيرة بن شعبة ) لما شهد عليه أربعة وخالف أحدهم في الشهادة جلدهم عمر وستأتي قصتهم قريباً إن شاء الله تعالى.
الحكم الثامن : هل عقوبة العبد مثل عقوبة الحر؟
اتفق الفقهاء على أن العبد إذا قذف الحر المحصن وجب عليه الحد، ولكن هل حده مثل حد الحر، أو على النصف منه؟ لم يثبت حكم ذلك في السنة المطهرة ولهذا اختلف الفقهاء فيه فالجمهور ( وهو مذهب الأئمة الأربعة ) على أن العبد إذا ثبت عليه القذف، فعقوبته ( ٤٠ ) أربعون جلدة، لأنه حد يتنصف بالرق مثل حد الزنى، واستدلوا بقوله تعالى :﴿ فَإِنْ أَتَيْنَ بفاحشة فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى المحصنات مِنَ العذاب ﴾ [ النساء : ٢٥ ] وذهب الأوزاعي وابن حزم وهو مذهب الشيعة إلى أنه يجلد ( ٨٠ ) ثمانين جلدة، لأنه حد وجب صيانة لحق الآدميين إذ أن الجناية وقعت على عرض المقذوف، والجناية لا تختلف بالرق والحرية.
ومن أدلة الجمهور ما روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال « أدركت أبا بكر وعمر وعثمان ومن بَعدهَم من الخلفاء وكلهم يضربون المملوك في القذف أربعين جلدة ».. وعن علي كرم الله وجهه أنه قال ( يجلد العبد في القذف أربعين ).
قال ابن المنذر : والذي عليه الأمصار القول الأول ( أي قول الجمهور ) وبه أقول.
وردّ الجمهور بأن آية القذف خاصة بالأحرار، فالحر إذا قذف محصناً حد ثمانين جلدة، وأما العبد فحده أربعون، فقاسوا القذف على حد الزنى، والله تعالى أعلم.
الحكم التاسع : هل الحد حق من حقوق الله أو من حقوق الآدميين؟
ذهب الإمام أبو حنيفة إلى أن الحد حق من حقوق ( الله ) ويترتب على كونه حقاً من حقوق الله تعالى ما يلي :
أ- أنه إذا بلغ الحاكم وجب عليه إقامة الحد وإن لم يطلب المقذوف.
ب- لا يسقط بعفو المقذوف عن القاذف، وتنفع القاذف التوبة فيما بينه وبين الله تعالى.
ج- يتنصف فيه الحد بالرق مثل الزنى.
وذهب ( الشافعي ومالك ) إلى أنه حق من حقوق ( الآدميين ) ويترتب عليه ما يلي :
أ- أن الإمام لا يقيمه إلا بطلب المقذوف.


الصفحة التالية
Icon