مذهب الشعبي والضحاك : وهناك مذهب وسط بين المذهبين هو مذهب ( الشعبي والضحاك ) فقد قالا : لا تقبل شهادة القاذف وإن تاب إلا أن يعترف على نفسه أنه قال البهتان فيما قذف فحينئذ تقبل شهادته، قال شهيد الإسلام ( سيد قطب ) عليه الرحمة والرضوان : وأنا اختار هذا المذهب الأخير لأنه يزيد على التوبة إعلان براءة المقذوف باعترافٍ مباشر من القاذف وبذلك يُمْحَى آخرُ أثرٍ للقذف.
أقول : وهذا المذهب الذي اختاره سيد قطب تبدو عليه مخايل الجودة والإنصاف ويحقق العدل بين جميع الأطراف ( القاذف والمقذوف ) فلا يَظْلم أحداً منهما ولا يضيع حق الله، ولا حق العبد... فلعله يكون الأرجح والله تعالى أعلم.
ما ترشد إليه الآيات الكريمة
أولاً - قذف المحصنات من الكبائر التي تهدد المجتمع وتقوّض بنيانه.
ثانياً - اتهام المؤمنين بطريق ( القذف ) إشاعة للفاحشة في المجتمع.
ثالثاً - على المسلم أن يصون كرامة إخوانه بالستر عليهم إذا أخطأوا.
رابعاً - لا بد لحماية ظهر القاذف من إحضار أربعة شهود، ذكور، عدول.
خامساً - العقوبات الثلاث ( البدنية والأدبية والدينية ) تدل على عظم جريمة القذف.
سادساً - لا يجوز الولوغ في أعراض الناس لمجرد السماع أو الظن بحصول التهمة.
سابعاً - الحدود كفارات للذنوب وعلى الحكام أن يقيموها تنفيذاً لأمر الله.
ثامناً - التوبة والندم على ما فرط من الإنسان تدفع عنه سمة الفسق فلا يسمى فاسقاً.
تاسعاً - إذا أصلح القاذف سيرته وأكذب نفسه فيرد له اعتباره وتقبل شهادته.
عاشراً - الله واسع الرحمة عظيم الفضل لا تنفعه طاعة ولا تضره معصية، ينتقم للمظلوم من الظالم.
حكمة التشريع
يعتبر القذف جريمة من الجرائم الشنيعة التي حاربها الإسلام حرباً لا هوادة فيه، فإن اتهام البريئين والوقوع في أعراض الناس، والخوض في ( المحصنات الحرائر ) العفيفات، يجعل المجال فسيحاً لكل من شاء أن يقذف بريئة أو بريئاً بتلك التهمة النكراء، فتصبح أعراض الأمَّة مجرحة وسمعتها ملوثة وإذا كل فرد منها متهم أو مهدد بالاتهام، وإذا كلُّ زوج فيها شاك في زوجه وأهله وولده.
وجريمة القذف والاتهام للمحصنات تولِّد أخطاراً جسيمة في المجتمع، فكم من فتاة عفيفة شريفة لاقت حتفها لكلمة قالها قائل، فصدقها فاجر، فوصل خبرها إلى الناس ولاكتها الألسن فكان أن أقدم أقرباؤها وذووها على قتلها لغسل العار، ثم ظهرت حصانتها وعفتها عن طريق ( الكشف الطبي ) ولكن بعد أن حصل ما حصل وفات الأوان.
لذلك وصيانةً للأعراض من التهجم، وحمايةً لأصحابها من إهدار الكرامة، قطع الإسلام ألسنة السوء، وسدَّ الباب على الذين يلتمسون للبرآء العيب، فمنع ضعاف النفوس من أن يجرحوا مشاعر الناس، ويلغوا في أعراضهم.


الصفحة التالية
Icon