.. وأعجب منه أن ( اللعان ) يمين عنده وهولا يصلح لإيجاب المال ولا لإسقاطه بعد الوجوب، وأسقط به كلٌ من الرجل والمرأة الحد عن نفسه وأوجب به ( الرجم ) الذي هو أغلظ الحدود على المرأة!! وكون النكول إقراراً به شبهة، ( والحدود تدرأ بالشبهات ).
ووافق الإمام ( أحمد ) رحمه الله الأحناف في حكم الزوجة الممتنعة في إحدى الروايتين عنه بأنها تحبس ولا ترجم وفي رواية أخرى عنه : لا تحبس ويخلى سبيلها كما لو لم تكمل البينة.
وجاء في كتاب « فقه السنة » للسيد سابق ما نصه :
قال ابن رشد :( وبالجملة فقاعدة الدماء مبناها في الشرع على أنها لا تراق إلا بالبينة العادلة أو الاعتراف، ومن الواجب ألاّ تخصص هذه القاعدة بالاسم المشترك ).. فأبو حنيفة في هذه المسألة أولى بالصواب إن شاء الله وقد اعترف أبو المعالي في كتابه « البرهان » بقوة الإمام أبي حنيفة في هذه المسألة وهو شافعي ) انتهى.
أقول : رأي أبي حنيفة وإن كان وجيهاً إلا أنه ليس بقوة رأي الجمهور لظهور أدلتهم النقلية، وهو ما نختاره كما اختاره شيخ المفسرين الطبري وغيره من الجهابذة الأعلام.
الحكم السابع : هل آية اللعان ناسخة لآية القذف؟
إنّ الروايات التي ذكرت في سبب النزول متفقة كلها على ثلاثة أمور : أولها : أن آيات اللعان نزلت بعد آية القذف أن حكم من رمى زوجة كحكم من رمى الأجنبية.
ثالثها : أن آية ( اللعان ) نزلت تخفيفاً على الزوج وبياناً للمخرج مما وقع فيه من القذف.
وبناء على ذلك فإن قواعد أصول الحنيفية تقضي بأن آيات اللعان ناسخة لعموم آية القذف ﴿ والذين يَرْمُونَ المحصنات ﴾ [ النور : ٤ ] لتراخي نزولها عنها.
وعلى مذهب الأحناف : يكون ثبوت ( حد القذف ) على من قذف زوجته منسوخاً بآيات اللعان وليس على الزوج سوى الملاعنة لا غير... وعلىمذهب الأئمة الثلاثة : تتكون آيات اللعان مخصّصة للعموم في آية القذف لا ناسخة لها.
ويصبح معنى الآيتين : كل من قذف محصنة ولم يأتي بأربعة شهداء فعليه ( حد القذف ) إلا من قذف زوجته فعليه ( الحد أو اللعان )، والخلاف في الحقيقة شكلي لا جوهري.
الحكم الثامن : هل يُفَرّقُ بين المتلاعنَيْن؟
قضت السنة النبوية أن المتلاعنين لا يجتمعان أبداً، فإذا تلاعن الزوجان وقعت الفرقة بينهما على سبيل ( التأبيد ) لما روي عن ابن عباس أن النبي ﷺ قال :« المتلاعنان إذا تفرقا لا يجتمعان أبداً ». وعن علي وابن مسعود قالا :( مضت السنة ألاّ يجتمع المتلاعنان ).. والحكمة في ذلك ( التحريم المؤبد ) أنه قد وقع بينهما من التباغض والتقاطع ما أوجب القطيعة بينهما بصفة دائمة. فإن الرجل إنْ كان صادقاً فقد أشاع فاحشتها وفضحها على رؤوس الأشهاد، وأقامها مقام الخزي والغضب، وإن كان كاذباً فقد أضاف إلى ذلك أنه بهتها وزاد في إيلامها وحسرتها وغيظها.


الصفحة التالية
Icon