وكذلك المرأة إن كانت صادقة فقد أكذبته على رؤوس الأشهاد وأوجبت عليه لعنة الله وإن كانت كاذبة فقد أفسدت فراشه وخانته في نفسها، وألزمته العار والفضيحة. فقد حصل بينهما النفرة الدائمة والوحشة البالغة. ومن المعلوم أنَّ أساس الحياة الزوجية السكنُ والمودة، والرحمة، وقد زالت هذه باللعان فكانت عقوبتهما الفرقة المؤبدة.
وقد اتفق الفقهاء على وجوب التفريق بين المتلاعنين وعلى أن الحرمة بينهما. تكون ( مؤبدة ) لم يخالف في ذلك أحد إلاّ ما روي عن ( عثمان البتي ) أنه قال : لا يقع باللعان فرقة إلا أن يطلقها وهو قول مردود للنصوص المتقدمة.
ولكنّ الفقهاء اختلفوا متى تقع الفرقة بين المتلاعنين؟
فذهب ( الشافعي ) رحمه الله إلى أن الفرقة تقع بمجرد لعان الزوج وحده ولو لم تلاعن الزوجة.
وذهب ( مالك وأحمد ) في إحدى الروايتين عنه إلى أن الفرقة لا تقع إلا بلعانهما جميعاً.
وذهب ( أبو حنيفة وأحمد ) في روايته الأخرى إلى أن الفرقة لا تقع إلا بتمام لعانهما وتفريق الحاكم بينهما.
أما حجة الشافعي : فهي أن الفرقة حاصلة بالقول، فيستقل بها قول الزوج وحده كالطلاق ولا تأثير للعان الزوجة إلا في دفع العذاب عن نفسها كما قال تعالى :﴿ وَيَدْرَؤُاْ عَنْهَا العذاب ﴾ فدل على أنه لا تأثير للعان المرأة إلا في دفع العذاب عن نفسها.
أما حجة مالك : فهي أن الشارع قد أمر بالتفريق بين المتلاعنين ولا يكونان متلاعنين بلعان الزوج وحده.. وأيضاً لو وقعت الفرقة بلعان الزوج لأصبحت المرأة أجنبية عنه فتكون الملاعِنَةُ أجنبية وقد أوجب الله اللعان بين الزوجين.
أما حجة أبي حنيفة وأحمد : فهي أن الفرقة لا تحصل إلا بتمام لعانهما وتفريق الحاكم بينهما عملاً بالسنة المطهرة ففي حديث ابن عباس السابق ( ففرّق رسول الله ﷺ بينهما ) وهذا يتقضي أن الفرقة لم تحصل قبله، ولأن اللعان نوع من الحدود، والحدودُ إنما يجريها الحاكم فلا بد إذاً من تفريق الحاكم... ولعلّ هذا الرأي هو الأصح والأرجح.
الحكم التاسع : إذا أكذب الرجل نفسه فهل تعود إليه زوجته؟
وإذا تلاعن الزوجان ثم أكذب الرجل نفسه فحُدَّ حد القذف فهل تحل له زوجته؟
قال ( مالك والشافعي ) لا تحل له زوجته لأن الفرقة مؤبدة وقد قضت السنة بأنهما لا يجتمعان أبداً فلا طريق إلى العودة عملاً بالنصوص المتقدمة كما في المطلقة ثلاثاً وهو مذهب جمهور الصحابة والتابعين.
وقال ( أبو حنيفة ) إذا أكذب الرجل نفسه فهو خاطب من الخطاب لأنه إذا اعترف بكذبه وحُدَّ حدَّ القذف لم يبق ملاعنا وإنما أصبح كاذباً فيحل له العودة إلى زوجته. قال ابن الجوزي : وروي عن أحمد روياتان أصحهما أنه لا تحل له زوجته، والثانية يجتمعان بعد التكذيب وهو قول أبي حنيفة.


الصفحة التالية
Icon