قال الإمام الفخر : وأمّا الولي والنصير فكلاهما ( فعيل ) بمعنى ( فاعل ) على وجه المبالغة.
والمعنى : ليس لكم ناصر يمنعكم من العذاب.
﴿ أَمْ تُرِيدُونَ ﴾ :« أم » تأتي : متصلة، ومنقطعة، فالمتصلة هي التي تقدمها همزة استفهام كقوله تعالى :﴿ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ ﴾ [ البقرة : ٦ ] وأما المنقطعة فهي بمعنى ( بل ) كقول العرب ( إنها الإبل أم شاء ) كأنه قال : بل هي شاء، ومنه قوله تعالى :﴿ أَمْ يَقُولُونَ افتراه ﴾ [ السجدة : ٣ ] أي بل يقولون.
ومثله قول الأخطل :

كذبتكَ عينكَ أم رأيت بواسطٍ غلسَ الظَّلام من الربَابِ خيَالاً
قال القرطبي :« هذه ( أم ) المنقطعة التي بمعنى بل، أي بل أتريدون ومعنى الكلام التوبيخ ».
﴿ يَتَبَدَّلِ الكفر ﴾ : يقال : بدّل، تبدّل، واستبدل أي جعل شيئاً موضع آخر، والمراد اختيار الكفر بدل الإيمان كما قال تعالى :﴿ أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى النار ﴾ [ البقرة : ١٧٥ ].
﴿ سَوَآءَ السبيل ﴾ : السواءُ من كل شيء : الوسطُ، ومنه قوله تعالى :﴿ فَرَآهُ فِي سَوَآءِ الجحيم ﴾ [ الصافات : ٥٥ ] أي وسط الجحيم.
والسبيلُ في اللغة : الطريقُ، والمراد به طريق الاستقامة.
ومعنى الآية : من يختر الكفر والجحود بالله ويفضله على الإيمان، فقد حاد عن الحق، وعدل عن طريق الاستقامة، ووقع في مهاوي الردي.
وجه الارتباط بالآيات السابقة
بعد أن بيّن سبحانه وتعالى حقيقة الوحي، ورق على المكذّبين به والكارهين له جملةً وتفصيلاً، ذكر هنا سرَّ النسخ، وأبطل مقال الطاعنين فيه، بأنه تعالى يأمر بالشيء لما يكون فيه من المصلحة للعباد، ثمّ ينهى عنه لما يرى فيه من الخير لهم، فهو أعلم بمصالح عباده، وما فيه النفع لهم من أحكامه التي تعبّدهم بها، وشرعها لهم، وقد يختلف ذلك باختلاف الأحوال، والأزمنة والأشخاص، فينبغي تسليم الأمر لله، وعدم الاعتراض عليه، لأنه هو الحكيم العليم.
المعنى الإجمالي
يقول الله جل ثناؤه ما معناه :
﴿ مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ ﴾ : أي ما نبدّل من حكم آية فنغيّره، أو نترك تبديله فنقره بحاله، نأت بخير لكم منها - أيها المؤمنون - في العاجل أو الآجل إمّا برفع مشقة عنكم، أو بزيادة الأجر لكم والثواب، أو بمثلها في الفائدة للعباد، ألم تعلموا أيها الناس أن الله عليم، حكيم، قدير، لا يصدر منه إلا كل خير وإحسان، وأنه - جل وعلا - شرع هذه الملة الحنيفية السمحة، ليرفع عن عباده الأغلال والآصار؟!
فلا تظنّوا أنّ تبديله للأحكام لعجزٍ في القدرة، أو جهل في المصلحة، وإنما تغييرها يرجع إلى منفعة العباد، فهو المالك المتصرف في شؤون الخلق، يحكم بما شاء، ويأمر بما شاء، ويبدّل وينسخ الأحكام حسب ما يريد، وما لكم أيها الناس سوى وليّ يرعى شؤونكم، أو ناصر ينصركم، فلا تثقوا بغيره، ولا تعتمدوا إلا عليه، فهو نعم الناصر والمعين.
أتريدون - أيها المؤمنون - أن تسألوا رسولكم، نظير ما سأل قوم موسى من قبل؟! فتضلّوا كما ضلّوا، ويكون مثلكم مثل اليهود الذين سألوا نبيّهم تعنتاً واستكباراً فقالوا :


الصفحة التالية
Icon