﴿ أَرِنَا الله جَهْرَةً ﴾ [ النساء : ١٥٣ ] وطلبوا منه ما لا يسوغ طلبه حيث قالوا :﴿ اجعل لَّنَآ إلها كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ﴾ [ الأعراف : ١٣٨ ] فهل يليق بكم أن تتعنتوا مع نبيكم، وتقترحوا عليه ما تشتهون، فتصبحوا كاليهود الضالين؟!
ومن يستبدل الكفر بالإيمان، والضلالة بالهدى، فقد حاد عن الجادة، وعدل عن طريق الاستقامة، وتردّى في مهاوي الهلاك، وخسر نفسه حيث عرّضها لعذاب الله الأليم.
سبب النزول
أ - روي أن اليهود قالوا : ألا تعجبون لأمر محمداً؟ يأمر أصحابه بأمرٍ ثم ينهاهم عنه ويأمرهم بخلافه، ويقول اليوم قولاً ويرجع عنه غداً، فما هذا القرآن إلا كلام محمد يقوله من تلقاء نفسه، يناقض بعضه بعضاً فنزلت ﴿ مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا... ﴾ الآية.
ب - روي الفخر الرازي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال :
« إن عبد الله بن أمية المخزومي أتى رسول الله ﷺ في رهط من قريش فقالوا يا محمد : والله لا نؤمن بك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً، أو تكون لك جنة من نخيل وعنب، أو يكون لك بيت من زخرف، أو ترقى في السماء، ولن نؤمن لرقيك حتى تنزّل علينا كتاباً من الله أنك رسوله فأنزل الله تعالى :﴿ أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ موسى مِن قَبْلُ... ﴾ [ البقرة : ١٠٨ ].
ج - وروي عن مجاهد أن قريشاً سألت محمداً ﷺ أن يجعل لهم الصفا ذهباً فقال : نعم، وهو كالمائدة لبني إسرائيل إن كفرتم، فأبوا ورجعوا فأنزل الله ﴿ أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ... ﴾.
وجوه القراءات
١- قرأ الجمهور ﴿ مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ ﴾ بفتح النون من نسخ الثلاثي، وقرأ ابن عامر ( نُنْسخ ) بضم النون وكسر السين من أنسخ الرباعي.
قال الطبرسي :» لا يخلو من أن يكون ( أَفْعل ) لغة في ( فَعَل ) نحو بدأ وأبدأ، وحلّ من إحرامه وأحلّ، أو تكون الهمزة للنقل نحو ضرب وأضربته، والوجه الصحيح هو الأول وهو أن يكون نسخ وأنسخ لغتين متفقتين في المعنى وإن اختلفتا في اللفظ، وقول من فتح النون ( نَنْسخ ) أبينُ وأوضح.
٢ - قرأ الجمهور ( نُنْسِها ) بضم النون الأولى وكسر السين من النسيان الذي هو ضد الذكر، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ( نَنْسأها ) بفتح النون والسين وإثبات الهمزة من النسأ وهو التأخير من قولهم : نسأتُ الإبل عن الحوض إذا أخرتها، ومنه قولهم : أنسأ الله أجلك.
وجوه الأعراب
١ - قوله تعالى :﴿ مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا ﴾.
قال ابن قتيبة : أراد أو ( نُنْسكها ) من النسيان. ( ما ) شرطية جازمة و ( ننسخ ) مجزوم لأنه فعل الشرط، و ( مِنْ ) صلة تأدباً، و ( آية ) مفعول ل ( ننسخ ) والمعنى : ما ننسخ آية قال ابن مالك :