﴿ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ القرية التي كَانَت تَّعْمَلُ الخبائث ﴾ [ الأنبياء : ٧٤ ] وذهب جمهور المفسّرين إلى أن معنى الآية : الكلمات الخبيثات من القول للخبيثين من الرجال. والخبيثون من الناس للخبيثات من القول، والكلمات الطيبات من القول للطيبين من الناس، والطيبون من الناس للطيبات من القول.. قال النحاس : وهذا أحسن ما قيل في هذه الآية واختاره ابن جرير الطبري.
﴿ مُبَرَّءُونَ ﴾ : أي منزّهون مما رُمُوا به، والمراد بالآية براءة الصدّيقة عائشة رضي الله عنها مما رماها به أهل الإفك والبهتان، وجاء بصيغة الجمع للتعظيم.
﴿ مَّغْفِرَةٌ ﴾ : أي محو وغفران للذنب، والبشر جميعاً معرضون للخطأ وقيل في الآية إنه من باب :( حسناتُ الأبرار سيئات المقربين ).
﴿ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ : قال الألوسي : هو الجنة كما قال أكثر المفسرين. ويشهد له قوله تعالى في سورة الأحزاب في أمهات المؤمنين ﴿ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً ﴾ [ الأحزاب : ٣١ ] فإن المراد به الجنة.
المعنى الإجمالي
يقول الله جل ثناؤه ما معناه : لا يحلف أهل الفضل والصلاح والدين. الذين وسّع الله عليهم في الرزق وأغناهم من فضله، على ألا يؤتوا أقاربهم من الفقراء والمهاجرين ما كان يعطونهم إياه من الإحسان لجرم ارتكبوه، أو ذنب فعلوه. وليعفوا عما كان منهم من جرم، وليصفحوا عما بدر منهم من إساءة. وليعودوا إلى مثل ما كانوا عليه من الإفضال والإحسان، ألا تحبون أيها المؤمنون أن يكفر الله عنكم سيئاتكم، ويغفر لكم ذنوبكم، ويدخلكم الجنة مع الأبرار!!
ثم أخبر تعالى بأن الذين يرمون المؤمنات العفيفات الطاهرات بالزنى، ويقذفونهن بالفاحشة، وهنّ الغافلات عن مثل هذا الافتراء والبهتان... هؤلاء الذين يتهمون الحرائر العفيفات الشريفات، قد لعنهم الله بسبب هذا البهتان. فطردهم من رحمته، وأوجب لهم العذاب الأليم، الجلد في الدنيا، وعذاب جهنم في الآخرة، بسبب ما ارتكبوا من إثم وجريمة في حق أولئك المؤمنات... وليس هذا فحسب بل سوف تنطق عليهم جوارحهم، وتشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم، في ذلك اليوم الرهيب. بما كانوا يفعلونه من الإفك والبهتان، وستكون فضيحتهم عظيمة، عندما ينكشف أمرهم على رؤوس الأشهاد، وينالون جزاءهم العادل من أحكم الحاكمين، الذي لا يضيع عنده مثقال ذرة ويعلمون في ذلك اليوم أن الله عادل، لا يظلم أحداً من خلقه؛ لأنه هو الحق المبين، الذي يكشف لكل إنسان كتاب أعماله، ويجازيه عليها الجزاء العادل.
ثم أخبر تعالى ببراءة السيدة عائشة الصدّيقة أم المؤمنين رضوان الله عليها، مما رماها به أهل الضلال والنفاق، وتقوّلوا له عليها من الفاحشة، وأتى بالبرهان الساطع، والدليل القاطع، على عصمتها ونزاهتها وبراءتها، فهي زوج رسول الله الطاهرة الشريفة، ورسول الله طيّب طاهر. وقد جرت سنة الله أن يسوق الجنس إلى جنسه، فالخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال، والخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء. والطيبات من النساء للطّيبين من الرجال، والطّيبون من الرجال للطيبات من النساء، أولئك المتهمات في أعراضهن، بريئات من تلك التهمة الشنيعة، كيف لا وهنَّ أزواج أشرف رسول، وأكرم مخلوق على الله، وما كان الله ليقسمهنَّ لأحب عباده إليه إن لم يكنَّ طاهرات النفس ﴿ أولئك مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ !!
سبب النزول
١- روى ابن جرير الطبري عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : لما نزل قوله تعالى :


الصفحة التالية
Icon