٥- قرأ الجمهور ﴿ دينَهم الحقّ ﴾ بالفتح على أنه صفة للدّين بمعنى حسابهم العدل، وقرأ مجاهد والأعمش ﴿ دينَهم الحقُّ ﴾ برفع القاف على أنه صفة للإسم الجليل. ( ويجوز الفصل بالمفعول بين الموصوف وصفته ) ويصبح المعنى : يومئذ يوفيهم اللَّهُ الحقّ دينهم.
لطائف التفسير
اللطيفة الأولى : قوله تعالى :﴿ أُوْلُواْ الفضل مِنكُمْ والسعة... ﴾ الآية هذه شهادة عظيمة من الله سبحانه بفضل أبي بكر، وأنه أفضل الصحابة.
قال الفخر الرازي : أجمع المفسّرون على أن المراد من قوله تعالى :﴿ أُوْلُواْ الفضل ﴾ أبو بكر رضي الله عنه، وهذه الآية تدل على أنه كان أفضل الناس بعد رسول الله ﷺ، لأنه تعالى ذكره في معرض المدح له، والمدح من الله تعالى بالدنيا غير جائز. فتعيّن أن يكون المراد منه الفضل في الدين. ولأنه لو أريد به الفضل في الدنيا لكان قوله ( والسعة ) تكريراً. فلما أثبت الله له الفضل المطلق وجب أن يكون أفضل الصحابة بعد رسول الله ﷺ.
وقال أبو السعود : قوله تعالى :﴿ أُوْلُواْ الفضل مِنكُمْ ﴾ أي في الدين، وكفى به دليلاً على فضل الصدّيق رضي الله تعالى عنه.
اللطيفة الثانية : قوله تعالى :﴿ أَن يؤتوا ﴾ فيه حذف بالإيجاز، فقد حذفت منه ( لا ) لدلالة المعنى على ذلك، أي على أن لا يؤتوا. قال الزجّاج، إنّ ( لا ) تحذف في اليمين كثيراً قال تعالى :﴿ وَلاَ تَجْعَلُواْ الله عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ ﴾ [ البقرة : ٢٢٤ ] يعني أن لا تبروا. وقال امرؤ القيس :« فقلت يمين الله أبرح قاعداً » أي لا أبرح.
اللطيفة الثالثة : قوله تعالى :﴿ أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ الله لَكُمْ ﴾ هذا خطاب بصيغة الجمع، والمراد به أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وورد الخطاب بهذه الصيغة للتعظيم كقوله تعالى :﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر ﴾ [ الحجر : ٩ ].
قال الإمام الفخر رحمه الله :« فانظر إلى الشخص الذي كناه الله سبحانه مع جلاله بصيغة الجمع كيف يكون علو شأنه » وحين سمعها أبو بكر قال : بلى أحب أن يغفر الله لي. وأعاد النفقة إلى مسطح.
اللطيفة الرابعة : قوله تعالى :﴿ إِنَّ الذين يَرْمُونَ المحصنات ﴾ قال العلامة ابن الجوزي : فإن قيل : لم أقتصر على ذكر المحصنات دون الرجال؟
فالجواب أنّ من رمى مؤمنة فلا بدّ أن يرمي معها مؤمناً، فاستغني عن ذكر المؤمنين. ومثله قوله تعالى :﴿ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحر ﴾ [ النحل : ٨١ ] أراد : والبرد، قاله الزجاج.
اللطيفة الخامسة : ذكر الله تعالى في أول السورة المحصنات بقوله :﴿ والذين يَرْمُونَ المحصنات ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ ﴾ [ النور : ٤ ] ولم يقيّد المحصنات هناك بوصفٍ وأما هنا فقد قيّده بأوصاف عديدة بقوله تعالى :﴿ إِنَّ الذين يَرْمُونَ المحصنات الغافلات المؤمنات ﴾ والسرُّ في هذا أن هذه الآيات خاصة بأمهات المؤمنين، رضوان الله عليهن أجمعين، وتدخل السيدة عائشة فيهن دخولاً أولياً، فاتهام هؤلاء الأزواج الطاهرات إتهام ل ( بيت النبوّة )، وإيذاء لرسول الله ﷺ ؛ ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما، حين قرأ سورة النور ففسّرها فلما أتى على هذه الآية ﴿ إِنَّ الذين يَرْمُونَ المحصنات الغافلات المؤمنات ﴾ قال : هذه في ( عائشة ) وأزواج النبي ﷺ، ولم يجعل لمن فعل ذلك توبة، وجعل لمن رمى امرأة من المؤمنات، من غير أزواج النبي ﷺ التوبة، ثم تلا هذه الآية ﴿ لُعِنُواْ فِي الدنيا والآخرة وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ فهمّ بعض القوم أن يقوم إلى ابن عباس فيقبّل رأسه لحسن ما فسّره.


الصفحة التالية
Icon