وإذا لم يؤذن له فعليه بالرجوع فذلك خير له من الوقوف على الأبواب أو الإثقال على أهل المنزل فقد يكون أهل البيت في شغل شاغل عن استقبال أحد من الزائرين.
وإذا لم يكن في البيوت أحد فلا يجوز الدخول أو الاقتحام لأن البيوت حرمة، ولا يحل دخولها إلا بإذن أربابها، وربما كان أهل البيت لا يرغبون أن يطلع أحد على ما عندهم في المنزل من مال أو متاع وربما أدى الدخول إلى فقدان شيء أو ضياعة ووقعت التهمة على ذلك الإنسان.
أما البيوت التي ليس بها ساكن، أو التي فيها للإنسان منفعة أو مصلحة فلا مانع من دخولها بغير إذن. ذلك هو أدب الإسلام وتربيته الحميدة الرشيدة التي أدّب بها المؤمنين.
وجه الارتباط بين الآيات الكريمة
الآيات التي تقدمت في صدر السورة كانت في بيان ( حكم الزنى ) وبيان ضرره وخطره. وبيان أنه قبيح ومحرم وأنَّ مرتكبه يستحق العذاب والنكال.
ولما كان الزنى طريقُه النظر، والخلوة، والاطلاع على العورات... وكان دخول الناس في بيوت غير بيوتهم مَظِنَّة حصول ذلك كله، أرشد الله تعالى عباده إلى الطريقة الحكيمة التي يجب أن يتبعوها إذا أرادوا دخول هذه البيوت، حتى لا يقعوا في ذلك الشر الوبيل، والخطر الجسيم، الذي يقضي على أواصر المجتمع، ويدمر الأسر، ويشيع الفحشاء بين الناس.
وقد تحدثت الآيات السابقة عن ( حادثة الإفك ) التي اتهمت فيها أم المؤمنين عائشة رضوان الله عليها تلك المرأة العفيفة الطاهرة التي برّأها القرآن مما نسبها إليه أهل النفاق والبهتان، ولم يكن لأصحاب الإفك متكأ في رميها إلا أنها بقيت مع صفوان فيما يشبه الخلوة، لذلك نهى الله سبحانه وتعالى عن دخول البيوت بغير إذن حتى لا يؤدي ذلك إلى القدح في أعراض البرآء الأطهار، ويكون المجتمع في منجاة عن ذلك الشر الخطير.
سبب النزول
أ- روي في سبب نزول هذه الآية أن امرأة أتت النبي ﷺ فقالت يا رسول الله : إني أكون في بيتي على الحالة التي لا أحب أن يراني عليها أحد ولا والد ولا ولد فيأتيني آت فيدخل علي فكيف أصنع؟ فنزلت الآية الكريمة ﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ... ﴾ الآية.
ب- وروى ابن حاتم عن ( مقاتل ) أنه لما نزل قوله تعالى :﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ... ﴾ إلخ قال أبو بكر رضي الله عنه يا رسول الله : فكيف بتجار قريش الذين يختلفون من مكة، والمدينة، والشام، وبيت المقدس ولهم بيوت معلومة على الطريق فكيف يستأذنون ويسلِّمون وليس فيها سكان؟ فرخص سبحانه في ذلك فأنزل قوله تعالى :{ لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ.


الصفحة التالية
Icon