.. } الآية.
لطائف التفسير
اللطيفة الأولى : تصدير الخطاب بلفظ ( الإيمان ) مشعر بعلو مكانة المؤمن عند الله فالمؤمن أهل للتكليف والخطاب، والكافر كالدابة والحيوان ليس بأهل للتكريم أو الخطاب وصدق الله ﴿ أولئك كالأنعام بَلْ هُمْ أَضَلُّ ﴾ [ الأعراف : ١٧٩ ] وهذا هو السر في نداء المؤمنين بقوله تعالى :﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ ﴾.
اللطيفة الثانية : قوله تعالى :﴿ غَيْرَ بُيُوتِكُمْ ﴾ خارج مخرج العادة إذْ الأصل في الأصل أن يسكن في بيته الذي هو ملكه، والتنكير في قوله ﴿ بُيُوتاً ﴾ يفيد العموم والشمول.
اللطيفة الثالثة : قوله تعالى :﴿ حتى تَسْتَأْنِسُواْ ﴾ فيه معنى دقيق، فليس المراد من اللفظ مجرد الإذن وإنما المراد معرفة أنس أهل البيت بدخول الزائر عليهم هل هم راضون بدخوله أم لا؟
قال العلامة المودودي :( وقد يخطئ الناس إذ يجعلون كلمة ( الاستئناس ) بمعنى الاستئذا فقط مع أن الكلمتين بينهما فرق لطيف لا ينبغي أن ينصرف عنه النظر، فكلمة ( الاستئناس ) أعم وأشمل من كلمة ( الاستئذان ) كما لا يخفى بأدنى تأمل والمعنى : حتى تعرفوا أنس أهل البيت بدخولكم عليهم ).
اللطيفة الرابعة : قوله تعالى :﴿ فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَآ أَحَداً ﴾ هذا تعبير دقيق يشير إلى معنى أدق، فربما كان في البيت صاحبه ولم يردّ على الزائر، أو لم يأذن له فيصدق على المستأذن أنه لم يجد أحداً، ولو قال ( فإن لم يكن فيها أحد ) لما كان هذا المنزع اللطيف، والسر الدقيق، والحاصل أن الآية تنهى عن الدخول في حالتين :
أ- في حالة الاعتذار الضمني ﴿ فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَآ أَحَداً ﴾ وهي إشارة إلى عدم الإذن.
ب- في حالة الاعتذار الصريح ﴿ وَإِن قِيلَ لَكُمْ ارجعوا فارجعوا ﴾ وهي تصريح بعدم الإذن صريح.
اللطيفة الخامسة : قوله تعالى ﴿ فارجعوا ﴾ قال العلامة ابن كثير : قال بعض المهاجرين : لقد طلبت عمري كله هذه الآية فما أدركتها... أن أستأذن على بعض إخواني فيقول لي : إرجعْ، فأرجع وأنا مغتبط لقوله تعالى :﴿ وَإِن قِيلَ لَكُمْ ارجعوا فارجعوا هُوَ أزكى لَكُمْ ﴾.
اللطيفة السادسة : قال الزمخشري : فإذا نُهي الزائر عن الإلحاح لأنه يؤدي إلى الكراهة وجب الانتهاء عن كل ما يؤدي إليها من قرع الباب بعنف، والتصييح بصاحب الدار وغير ذلك مما يدخل في عادات من لم يتهذب من أكثر الناس.
اللطيفة السابعة : قوله تعالى :﴿ والله يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ ﴾ فيه وعيد شديد لأهل الريبة والنوايا الخبيثة الذين لا يقصدون إلا التطلع على عورات الناس أو غيرها من الأغراض السيئة.
حكمة التشريع
يقول شهيد الإسلام سيد قطب تغمده الله برحمته في تفسيره « ظلال القرآن » ما نصه :
( لقد جعل الله البيوت سكنا، يفيء إليها الناس فتسْكن أرواحهم، وتطمئن نفوسهم، ويأمنون على عوراتهم وحرماتهم، ويلقون أعباء الحذر والحرص المرهقة للأعصاب ).


الصفحة التالية
Icon