والبيوتُ لا تكون كذلك إلا حين تكون حَرَماً آمناً لا يستبيحه أحد إلا بعلم أهله وإذنهم، وفي الوقت الذي يريدون، وعلى الحالة التي يحبون أن يلقوا عليها الناس، ذلك إلى أن استباحة حرمة البيت من الداخلين دون استئذان يجعل أعينهم تقع على عورات، وتلتقي بمفاتن تثير الشهوات، وتهيئ الفرصة للغواية الناشئة من اللقاءات العابرة، والنظرات الطائرة، التي قد تتكرر فتتحول إلى نظرات قاصدة، تحركها الميول التي أيقطتها اللقاءات الأولى على غير قصد ولا انتظار، وتحولها إلى علاقات آثمة، أو إلى شهوات محرمة، تنشأ عنها العقد النفسية والانحرافات.
ولقد كانوا في الجاهلية يهجمون هجوماً فيدخل الزائر البيت وكان يقع أن يكون صاحب الدار مع أهله في الحالة التي لا يجوز أن يراهما عليها أحد، وكان يقع أن تكون المرأة عارية أو مكشوفة العورة هي أو الرجل، وكان ذلك يؤذي ويجرح، ويَحرِم البيوت أمنَها وسكينتها، كما يعرّض النفوس من هنا وهناك للفتنة حين تقع العين على ما تثيره.
من أجل هذا أو ذاك أدَّب الله المسلمين بهذا الأدب العالي « أدب الاستئذان » على البيوت والسلام على أهلها لإيناسهم وإزالة الوحشة من نفوسهم - قبل الدخول - وعبر عن الاستئذان ب ( الاستئناس ) وهو تعبير يوحي بلطف الاستئذان ولطف الطريقة التي يجيء بها الطارق فتحدث في نفوس أهل البيت أنساً به. واستعداداً لاستقباله، وهي لفتة دقيقة لطيفة لرعاية أحوال النفوس ولتقدير ظروف الناس في بيوتهم.
الأحكام الشرعية
الحكم الأول : هل السلام قبل الاستئذان أم بعده؟
ظاهر الآية الكريمة يدل على تقديم الاستئذان على السلام، وبهذا الظاهر قال بعض العلماء، وجمهور الفقهاء على تقديم السلام على الاستئذان حتى قال النووي : الصحيح المختار تقديم التسليم على الاستئذان لحديث « السلام قبل الكلام ».
أ- استدل الجمهور بما روي أن رجلاً من بني عامر استأذن على النبي ﷺ وهو في البيت فقال : أألج؟ فقال النبي ﷺ لخادمه أخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان فقل له : السلام عليكم أأدخل؟
ب- واستدلوا بحديث أبي هريرة فيمن يستأذن قبل أن يسلِّم قال : لا يؤذن له حتى يسلِّم..
ج - واستدلوا بما روي عن ( زيد بن أسلم ) قال : أرسلني أبي إلى ابن عمر رضي الله عنهما فجئت فقلت : أألج؟ فقال : ادخل فلما دخلت قال مرحباً يا ابن أخي، لا تقل أألج، ولكن قل : السلام عليكم، فإذا قيل : وعليك فقل أأدخل؟ فإذا قالوا : ادخل فادخل.
د- واستدلوا بما روي أن عمر رضي الله عنه استأذن على النبي ﷺ فقال : السلام على رسول الله السلام عليكم، أيدخل عمر؟.
وفصَّل بعض العلماء المسألة فقال : إن كان القادم يرى أحداً من أهل البيت سلّم أولاً ثم استأذن في الدخول، وإن كانت عينه لا ترى أحداً قدذم الاستئذان على السلام، وهذا اختيار ( الماوردي ) وهو قول جيد وفيه جمع بين الأدلة كما نبه عليه ( الألوسي ).


الصفحة التالية
Icon