ولا يشترط أن يكون الإذن صريحاً بلفظ ( أألج أو أأدخل ) بل يجوز بكل لفظ يشير إلى الاستئذان كالتسبيح، والتكبير، أو التنحنح فقد روى الطبراني عن أبي أيوب أنه قال : قلت يا رسول الله أرأيت قول الله ﴿ حتى تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلِّمُواْ على أَهْلِهَا ﴾ هذا التسليم قد عرفناه فما الاستئناس؟ قال : يتكلم الرجل بتسبيحة، وتكبيرةٍ، وتحميدةٍ، ويتنحنح فيؤذن أهل البيت.
أقول : ومثل هذا في عصرنا أن يطرق الباب أو يقرع الجرس فهذا نوع من الاستئذان مشروع لأن الدور في عصر الصحابة لم يكن لها هذه الستور والأبواب فيكفي للقادم أن يقرع الجرس ليدل على طلبه الاستئذان والله أعلم.
الحكم الثاني : كم عدد الاستئذان؟
لم توضح الآية الكريمة عدد الاستئذان، وظاهرها يدل على أن من استأذن مرة فأجيب دخل، وإلاّ رجع. ولكنّ السنة النبوية قد بيَّنت أن الاستئذان يكون ثلاثاً، لما روي عن أبي هريرة مرفوعاً :( الاستئذان ثلاث : بالأولى يستنصتون، وبالثانية يستصلحون، وبالثالثة يأذنون أو يردون ).
ومما يدل على أن الاستئذان يكون ثلاثاً قصة ( أبي موسى الأشعري ) مع عمر بن الخطاب وتفصيل القصة كما رواها البخاري ومسلم في « الصحيحين » عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال :( كنت جالساً في مجلس من مجالس الأنصار فجاء أبي موسى فزعاً، فقلنا له ما أفزعك؟ فقال : أمرني عمر أن آتيه فأتيته، فاستأذنت ثلاثاً فلم يؤذن لي فرجعت فقال : ما منعك أن تأتيني؟ فقلت قد جئت فاستأذنت ثلاثاً فلم يؤذن لي وقد قال ﷺ :« إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فليرجع » فقال : لتأتينِّي على هذه البينة أو لأعاقبنك، فقال ( أُبيُّ بن كعب ) لا يقوم معك إلا أصغر القوم، قال أبو سعيد : وكنتُ أصغرَهم فقمتُ معه، فأخبرت عمر أن النبي ﷺ قال ذلك ).
وفي بعض الأخبار أن عمر قال لأبي موسى : إني لم أتهمك ولكني خشيت أن يتقول الناس على رسول الله ﷺ فأردت أن أثبت.
والراجح أن إكمال العدد ( ثلاثاً ) إنما هو حق المستأذن، وأما الواجب فإنما هو مرة وذكر ( أبو حيان ) أنه لا يزيد على الثلاث، إلا إن تحقَّق أن من في البيت لم يسمع.
الحكم الثالث : ما الحكمة في إيجاب الاستئذان؟
الحكمة هي التي نبه الله تعالى عليها في قوله :﴿ لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ ﴾ فدل بذلك على أن الذي حرم من أجله الدخول هو كون البيوت مسكونة، إذ لا يأمن من يهجم عليها بغير استئذان أن يرى عورات الناس، وما لا يحل النظر إليه، وربما كان الرجل مع امرأته في فراش واحد، فيقع نظره عليهما، وهذا بلا شك يتنافى مع الآداب الإجتماعية التي أرشد إليها الإسلام.


الصفحة التالية
Icon