« إنما جعل الاستئذان من أجل النظر » فذلك محمول على الغالب، ولا يقصد منه الحصر.
قال الزمخشري في « الكشاف » :( إنما شرع الاستئذان لئلا يوقف على الأحوال التي يطويها الناس في العادة عن غيرهم ويتحفظون من اطلاع أحد عليها ولم يشرع لئلا يطَّلع المرء على عورة، ولا تسبق عينه إلى ما لا يحل النظر إليه فقط ).
والحكمة التي شرع من أجلها الاستئذان متحققة في الرجال والنساء معاً ولهذا قال العلماء أن التعبير باسم الموصول ﴿ ياأيها الذين ﴾ فيه تغليب الرجال على النساء كما هو المعهود في الأوامر والنواهي القرآنية المبدوءة بمثل هذا النداء، أو المراد بالخطاب الوصف ويكون معنى الآية :( يا من اتصفتم بالإيمان ) فيدخل فيه الرجال والنساء على السواء. ومما يدل على أن المرأة تستأذن كما تستأذن الرجل ما روي عن ( أم إياس ) قالت :« كنت في أربع نسوة نستأذن على عائشة رضي الله عنها، فقلت : ندخل؟ فقالت : لا، فقالت واحدة : السلام عليكم؟ قالت : ادخلوا، ثم قالت ﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حتى تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلِّمُواْ على أَهْلِهَا ﴾.. الآية. فدل هذا على أن المرأة تستأذن كما يستأذن الرجل.
الحكم الثامن : ما هي الحالات التي يباح فيها الدخول بدون إذن؟
ظاهر الآية يدل على النهي عن دخول البيوت بغير إذن في جميع الأزمان والأحوال ولكن يستثنى منه الحالات التي تقضي بها الضرورة وهي حالات اضطرارية تبيح الدخول بغير إذن وذلك إذا عَرَض أمر في دار من حريق، أو هجوم سارق، أو ظهور منكر فاحش، فإنَّ لمن يعلم ذلك أن يدخلها بغير إذن أصحابها كما نبه على ذلك الفخر الرازي في تفسيره الشهير.
الحكم التاسع : هل يجب الاستئذان على الطفل الصغير؟
أحكام الاستئذان خاصة بالبالغين من الرجال والنساء، وأما الأطفال فإنهم غير مكلفين بهذه التكاليف الشرعية، وليس هناك محظور يخشى من جانبهم لأنهم لا يدركون أمور العورة، ولا يعرفون العلاقات الجنسية فيجوز لهم الدخول بدون إذن إلا إذا بلغوا مبلغ الرجال لقوله تعالى :﴿ وَإِذَا بَلَغَ الأطفال مِنكُمُ الحلم فَلْيَسْتَأْذِنُواْ كَمَا استأذن الذين مِن قَبْلِهِمْ ﴾ [ النور : ٥٩ ].
وهناك أوقات ثلاثة يجب على الأطفال الاستئذان فيها وهي :( وقت الفجر )، و ( وقت الظهيرة )، و ( وقت العشاء ) كما سيأتي إن شاء الله.
الحكم العاشر : لو اطلع إنسان على دار غيره بغير إذنه فما الحكم؟
اختلف الفقهاء في مسألة هامة تتعلق بالنظر وهي : إذا رأى أهل الدار أحداً يطلع عليهم من ثقب الباب فطعن أحدهم عينه فقلعها، فهل يجب القصاص؟ وما الحكم؟
١- ذهب الإمامان ( الشافعي وأحمد ) إلى أنه لو فقئت عينه فهي هدر ولا قصاص.


الصفحة التالية
Icon