وكنتَ إذا أرسلت طرفك رائداً... لقلبك يوماً أتعبتك المناظر
رأيتَ الذي لا كلّه أنت قادرٌ... عليه ولا عن بعضه أنت صابر
ولأنّ البلوى فيه أشد وأكثر، ولا يكاد يقدر على الاحتراس منه وهو الباب الأكبر الذي يوصل إلى القلب، وأعمر طرق الحواس إليه ويكثر السقوط من جهته. ولله در شوقي :
نظرة فابتسامة فسلام... فكلام فموعد فلقاء
وقد قال أحد الأدباء :
وما الحب إلا نظرة إثر نظرةٍ... تزيد نمواً إن تزده لَجَاجا
اللطيفة الثانية : قوله تعالى :﴿ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ ﴾ المراد غض البصر عما حرم الله، لا غضّ البصر عن كل شيء فحذف ذلك اكتفاء بفهم المخاطبين وهو من باب ( الإيجاز بالحذف ).
اللطيفة الثالثة : قال العلامة الزمخشري : فإن قلت كيف دخلت ( من ) التي هي للتبعيض في ( غضّ البصر ) دون ( حفظ الفرج ) ؟ قلت : لأن أمر النظر أوسع، ألا ترى أن المحارم لا بأس بالنظر إلى شعورهن وصدورهن وثُديِّهن، وأما أمر الفرج فمضيّق وكفاك فرقاً أن أبيح النظر إلا ما استثني فيه، وحظر الجماع إلا ما استثني منه.
اللطيفة الرابعة : قوله تعالى :﴿ أزكى لَهُمْ ﴾ أفعل التفضيل هنا ليس على بابه وإنما هو ( للمبالغة ) أي أن غض البصر وحفظ الفرج طهرة للمؤمن من دنس الرذائل أو نقول ( المفاضلة ) على سبيل الفرض والتقدير.
اللطيفة الخامسة : قوله تعالى :﴿ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ﴾ المراد بالزينة مواقعها من باب ( اطلاق اسم الحال على المحل ) كقوله تعالى :﴿ فَفِي رَحْمَةِ الله هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [ آل عمران : ١٠٧ ] المراد بها الجنة لأنها مكان الرحمة وإذا نهي عن إبداء الزينة فالنهي عن إبداء أماكنها من الجسم يكون من باب أولى.
قال الزمخشري : وذكر الزينة دون مواقعها للمبالغة في الأمر بالتصون والتستر فإنه ما نهى عن الزينة إلا لملابستها تلك المواقع فكان إبداء المواقع نفسها متمكناً في الحظر ثابت القدم في الحرمة.
اللطيفة السادسة : قوله تعالى :﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ ﴾ في لفظ الضرب ( مبالغة ) في الصيانة والتستر وقد عدى اللفظ ب ( على ) لأنه ضُمِّن معنى الإلقاء ويكون المراد أن تسدل وتلقي بالخمار على صدرها لئلا يبدوا شيء من النحر والصدر.
اللطيفة السابعة : قوله تعالى :﴿ قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ ﴾ قال أبو السعود : مفعول الأمر أمر آخر قد حذف تعويلاً على دلالة جوابه عليه أي قل لهم غضوا يغضوا من أبصارهم وفي هذا التعبير إشارة إلى أن المؤمن يسارع إلى تنفيذ أمر الله فهو لا يحتاج إلا إلى تذكير.
اللطيفة الثامنة : قال بعض العلماء : كما يكون التلذُّذ بالنظر يكون بالسمع أيضاً وقد قيل ( والأذن تعشق قبل العين أحياناً ) وهذا هو السر في نهي المرأة عن الضرب برجلها على الأرض حتى لا يسمع صوت الخلخال فتتحرك شهوة الرجال.