والأصح أن المراد بالخير الأمانة والقدرة على الكسب وبه فسره الشافعي كما مر معنا.
﴿ فتياتكم ﴾ : المراد به ( المملوكات من الإماء ) وهو جمع فتاة، قال الألوسي وكل من الفتى والفتاة كناية مشهورة عن ( العبد والأمة ).
وفي الحديث :« لا يقولنّ أحدكم عبدي وأمتي ولكن فتاي وفتاتي » وكأنه ﷺ كره العبودية لغير الله تعالى وعلّم السادة أن يتلطفوا عند مخاطبة العبيد.
﴿ البغآء ﴾ : مصدر بغت المرأة تَبْغي بغاءً إذا زنت وفجرت، وهو مختص بزنى النساء فلا يقال للرجل إذا زنى : إنه بغى قاله ( الأزهري ).
والجمع بغايا، والمراد بالآية إكراه الإماء على الزنى، وفي الحديث « نهى النبي ﷺ عن مهر البغي ».
﴿ تَحَصُّناً ﴾ : أي تعففاً ومنه المُحْصنة بمعنى العفيفة وقد تقدم.
﴿ عَرَضَ الحياوة ﴾ : أي متاع الحياة الدنيا وسمي عرضاً لأنه يعرض للإنسان ثم يزول، فهو متاع سريع الزوال وشيك الاضمحلال ﴿ وَمَا الحياوة الدنيآ إِلاَّ مَتَاعُ الغرور ﴾ [ الحديد : ٢٠ ].
﴿ آيات مبينات ﴾ : أي آيات واضحات، وحكم باهرات، ودلائل ظاهرة، تدل على حكمة الله العلي الكبير، قال الزمخشري : هي الآيات التي بينت في هذه السورة وأوضحت معاني الأحكام والحدود.
المعنى الإجمالي
يأمر المولى تبارك وتعالى بتزويج الشباب وتحصين الأحرار من الرجال، فيقول تعالى ذكره ما معناه : زوجوا أيها المؤمنون من لا زوج له من أحرار رجالكم ونسائكم، ومن أهل الصلاح والتقى من عبيدكم ومواليكم، إن يكن هؤلاء الذين تزوجونهم أهل فاقة وفقر، فإن الله تعالى يغنيهم من فضله، فلا يمنعكم فقرهم من إنكاحهم. فالله واسع الفضل، جواد كريم، يعطي الرزق من يشاء من عباده، ولا تخفى عليه خافية من شؤونهم وأحوالهم.
ثم يأمر تعالى الشباب الذين لا تتيسر لهم سُبل الزواج - لأسباب مادية أو عقبات اجتماعية - بالعفة عن الفواحش والابتعاد عما حرم الله، حتى يوسّع الله عليهم، ويسهل لهم أمر الزواج. فإن العبد إذا اتقى الله جعل له من أمره فرجاً ومخرجاً ﴿ وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً ﴾ [ الطلاق : ٤ ] كما أمر السادة بمكاتبة العبيد الأرقاء، الذين يريدون أن يتحرروا من رق العبودية فقد أرشدهم أن يقبلوا منهم فكاك أنفسهم بما يدفعونه من مال، ونهاهم أن يُكْرهوا فتياتهم ( الإماء ) على البغاء، كما كان يفعل أهل الجاهلية، ليحصُلوا من وراء ذلك على الثروة الطائلة، ويجمعوا حُطَام هذه الحياة الزائل، ويتمعوا عن طريق - الفحش والرذيلة - بعرض الدنيا، ثم حذر تعالى الظالمين المعتدين المُكْرهين للفتيات بالعذاب الأليم، وأنه سينتقم منهم ويعفو ويغفر للمُكْرَهات على الزنى، لأنه لاإرادة لهن ولا اختيار، وإثمهن على من أكرههن.
ثم ختم تعالى هذه الآيات الكريمة بأنه قد أنزل على عباده آياتٍ واضحات وأحكاماً وحدوداً مفصَّلات، ليسيروا عليها، فيها خيرهم وسعادتهم، وتَرَكهم على المحجَّة البيضاء، وضرب لهم الأمثال ليتعظوا ويعتبروا بمن سبقهم من الأمم