فالأمة في هذه الحالة خير من السيِّد، لأنها آثرت التحصن على الفاحشة وهي أشرف من السيّد وأطهر.
قال أبو السعود : فإن من له أدنى مرؤءة لا يكاد يرضى من يحويه حرمه من إمائه فضلاً عن أمرها به أو إكراهها عليه لا سيما عند إرادة التعفف فليس هو إذاً « للقيد أو الشرط » وإنما هو لبيان فظاعة الأمر وشناعته فتدبره فإنه دقيق.
اللطيفة السادسة : قوله تعالى :﴿ لِّتَبْتَغُواْ عَرَضَ الحياوة الدنيا ﴾ هذا التعليل فيه إشارة إلى تفاهة وحقارة ما صنعوا، فإن أقدس وأشرف ما يملكه الإنسان هو ( العرض والشرف ) فهم يقدمون هذا الشيء ( النفيس ) مقابل النزر ( الخسيس ) فيا لها من خسة ونذالة.
اللطيفة السابعة : قوله تعالى :﴿ فَإِنَّ الله مِن بَعْدِ إكراههن غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ المغفرة والرحمة مخصصة بالمكرَهات من الإماء وأما المُكْرهُون فعليهم اللعنة والسخط، وقد كان الحسن البصري إذا قرأ هذه الآية يقول : لهنَّ والله، أي إن الله غفور لهن، لا لأولئك المجرمين الذين أكرهوا النساء على البغاء.
ففي الآية ( مجاز بالحذف ) أي غفور لهن رحيم بهن. ومما يؤيد ذلك قوله تعالى :( من بعد إكراههن ) أي لأنهن مكرهات لا إرادة لهن ولا اختيار فقد رفع الله عنهن العذاب وبقي الإثم على المكره وما قاله بعض المفسرين : إن المغفرة والرحمة للمكرِهين إنْ تابوا وأصلحوا فإنه ضعيف يأباه السياق.
قال أبو السعود : وفي تخصيص المغفرة والرحمة بهن وتعيين مدارهما دلالة بينة على كونهم محرومين منهما بالكلية كأنه قيل : لهنَّ ( لا للمكِرهين ) فتجويز تعلقهما بهم بشرط التوبة ستقلالاً، أو معهن إخلالٌ بجزالة النظم الجليل، وتهوين لأمر النهي في مقام التهويل.
الأحكام الشرعية
الحكم الأول : من المخاطب في الآية الكريمة؟
ذهب بعض العلماء إلى أن الخطاب في قوله تعالى :﴿ وَأَنْكِحُواْ الأيامى ﴾ عام لجميع الأمَّة أي زوجوا أيها المؤمنون من لا زوج له من الرجال الأحرار والنساء الحرائر.. وقال بعضهم إن الخطاب ( للأولياء والسادة ) فقط أي لأولياء الأحرار، كالآباء وغيرهم ممن يتولون شؤون غيرهم، ولسادات العبيد والإماء الذين يملكونهم ملك اليمين.
وقال آخرون : إنه للأزواج لأنهم هم المأمورون بالنكاح.
قال القرطبي : والخطاب للأولياء وقيل للأزواج والصحيح الأول؛ إذ لو أراد الأزواج لقال ( وانكحوا ) بغير همز، وكانت الألف للوصل. والذي نختاره هو أن الأمر موجه إلى جميع الأمة، وأنَّ عليهم أن يسهلوا أسباب الزواج، ويسعوا سعياً حثيثاً لتزويج الشباب، وإزالة العوائق والعقبات من الطريق لأن الزواج هو طريق الإحصان والعفة، فالخطاب إذاً للجميع... وليس المراد بالتزويج في الآية هو أجراء ( عقد الزواج ) لأن لفظ الأيامى يشمل كل من لا زوج له من الرجال والنساء، صغاراً كانوا أو كباراً، كما تقدم.
ومن المعلوم أن الرجل الكبير لا ولاية لأحد عليه فالوجه ما قلنا إن الخطاب موجه للأمة، وإن المراد بالتزويج هو الإعانة والمساعدة على النكاح وتسهيل أسبابه، وقد قال عليه السلام


الصفحة التالية
Icon