﴿ طوافون ﴾ : جمع طوّاف بالتشديد وهو الذي يدور على أهل البيت للخدمة، والطوافُ في الأصل الدوران ومنه الطواف حول الكعبة، ووصف هؤلاء الخدم بالطواف لأنهم يذهبون في خدمة السادة ويرجعون ومنه الحديث في الهرة « إنما هي من الطوافين عليكم والطوافات » والمراد في الآية أنهم خدمكم يدخلون ويخرجون عليكم للخدمة فلا حرج عليكم ولا عليهم في الدخول بغير استئذان في غير هذه الأوقات.
﴿ والقواعد ﴾ : جمع قاعد بغير هاء، لأنه مختص بالنساء كحائض وطامث.
قال القرطبي : وحذفها يدل على أنه ( قعودُ الكِبَر ) كما قالوا امرأة حامل ليدل على أنه حَمل الحَبل، قال الشاعر :

فلو أنّ ما في بطنه بين نسوة حبِلنَ وإنْ كنّ القواعدَ عُقّراً
وقالوا : في غير ذلك قاعدة في بيتها، وحاملة على ظهرها.
قال في القاموس : إنها التي قعدت عن الولد وعن الحيض وعن الزوج.
والمراد بهن في الآية : العجائز اللواتي لم يبق لهن مطمع في الأزواج لكبرهن، ولا يرغب فيهن الرجال لعجزهن، فأما من كانت فيها بقية من جمال وهي محل للشهوة فلا تدخل في حكم هذه الآية.
﴿ غَيْرَ متبرجات ﴾ : أصل التبرج : التكلف في إظهار ما يخفى من الأشياء ومادة ( تبرّج ) تدل على الظهور والانكشاف، ومنه بروج مشيدة وبروج السماء، والمراد بالتبرج في الآية : إظهار المرأة زينتها ومحاسنها للرجال قال تعالى :﴿ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجاهلية الأولى ﴾ [ الأحزاب : ٣٣ ].
قال الزمخشري : فإن قلت : ما حقيقة التبرج؟ قلت : تكلف إظهار ما يجب إخفاؤه من قولهم : سفينة بارج أي لا غطاء عليها، والبَرَج سعة العين يرى بياضها محيطاً بسوادها كله، لا يغيب منه شيء إلا أنه اختص بأن تنكشف المرأة للرجال بإبداء زينتها وإظهار محاسنها.
المعنى الإجمالي
يقول جل ثناؤه ما معناه : يا أيها المؤمنون الذين صدقوا بالله ورسوله وأيقنوا بشريعة الله نظاماً، ودستوراً، ومنهاجاً، ليستأذنْكم في الدخول عليكم هؤلاء العبيد والإماء الذين تملكونهم بملك اليمين، والأطفال الذين لم يبلغوا مبلغ الرجال من الأحرار فلا يدخلوا عليكم في هذه الأوقات الثلاثة ( وقت الفجر ) و ( وقت العشاء ) إلا بإذن منكم لأن هذه الأوقات أوقات خلودكم إلى النوم والراحة، وهي أوقات يختل فيها تستركم، والتكشف فيها غالب، فعلّموا عبيدكم وخدمكم وصبيانكم ألاّ يدخلوا عليكم في مثل هذه الأوقات إلا بعد الاستئذان، وأما في غير هذه الأوقات فلا إثم ولا حرج عليكم ولا عليهم في الدخول بغير إذن، لأنهم يقومون على خدمتكم والله لا يكلفكم ما فيه حرج أو ضيق عليكم، لأن تشريعه من أجل صالحكم وهو جل وعلا العليم الحكيم.
وأما إذا بلغ هؤلاء الأطفال مبلغ الرجال فعلموهم الأدب السَّامي ألاّ يدخلوا عليكم إلا بعد الاستئذان كما أُمر الكبارُ من قبل، وذلك هو أدب الإسلام الذي ينبغي أن يتمسك به المؤمنون، وأما النساء العجائز اللاتي لا يرغبن في الزواج ولا يطمع فيهن الرجال لكبرهن وقد انعدمت فيهن دوافع الشهوة والفتنة والإغراء، فلا حرج ولا جناح عليهن أن يضعن بعض ثيابهن كالرداء والجلباب ويظهَرْنَ أمام الرجال بملابسهنَّ المعتادة التي لا تلفت انتباهاً، ولا تثير شهوة.


الصفحة التالية
Icon