وإذا بالغن في التستر والتعفف ولبسن الجلباب الذي تلبسه الشابات من النساء فذلك خير لهن وأكرم، وأزكى عند الله وأطهر، والله يعلم خفايا النفوس، ومجازٍ كلّ إنسانٍ على ما قدَّم فاتقوه واجتنبوا سخطه وعقابه.
سبب النزول
أولاً : روي ان أسماء بنت أبي مرثد دخل عليها غلام كبير لها في وقت كرهت دخوله فأتت رسول الله ﷺ فقالت : إن خدمنا وغلماننا يدخلون علينا في حال نكرهها فأنزل الله تعالى :﴿ ياأيها الذين ءَامَنُواْ لِيَسْتَأْذِنكُمُ الذين مَلَكَتْ أيمانكم... ﴾ الآية. وروي عن مقاتل بن حيّان أنه قال : بلغنا أن رجلاً من الأنصار وامرأته ( أسماء بنت أبي مرثد ) صنعا للنبي ﷺ طعاماً، فقالت أسماء : يا رسول الله ما أقبح هذا؟ إنه ليدخل على المرأة وزوجها غلامهما وهما في ثوب واحد بغير إذن، فأنزل الله في ذلك هذه الآية يعني بها العبيد والإماء.
ثانياً : وروي ان رسول الله ﷺ بعث غلاماًمن الأنصار يقال له ( مُدْلج ) إلى عمر بن الخطاب وقت الظهيرة ليدعوه فوجده نائماً، قد أغلق عليه الباب فدقّ عليه الغلام الباب فناداه ودخل فاستيقظ عمر وجلس فانكشف منه شيء، فقال عمر ( وددت أنّ اللَّهَ نهى أبناءنا ونساءنا، وخدمنا عن الدخول في هذه الساعات إلاّ بإذن ) ثم انطلق إلى رسول الله ﷺ فوجد هذه الآية قد أنزلت فخرّ ساجداً شكراً لله تعالى.
قال الألوسي : وهذا احد موافات رايه الصائب رضي الله عنه للوحي.
ثالثاً : وروى ابن أبي حاتم عن السدي أنه قال : كان أناس من أصحاب رسول الله ﷺ يعجبهم أن يواقعوا نساءهم في هذه الساعات، فيغتسلوا ثم يخرجوا إلى الصلاة فأمرهم الله تعالى أن يأمروا المملوكين والغلمان أن لا يدخلوا عليهم في تلك الساعات إلا بإذن فذلك قوله تعالى :﴿ ياأيها الذين ءَامَنُواْ لِيَسْتَأْذِنكُمُ... ﴾ الآية.
لطائف التفسير
اللطيفة الأولى : قوله تعالى :﴿ مِنكُمْ ﴾ يدل على أن المراد به الأطفال من الأحرار، لأن الله سبحانه قد ذكر العبيد والإماء بقوله :﴿ مَلَكَتْ أيمانكم ﴾ ثم عقّب ذلك بقوله ( منكم ) فدلت هذه المقابلة على أن المراد به الصغار من الأحرار.
اللطيفة الثانية : قوله تعالى :﴿ ثلاث مرات ﴾ ليس المقصود الاستئذان ثلاث مرات، وإنما المراد به في ( ثلاثة أوقات ) بدليل ذكره تعالى الأوقات بعدها ( الظهيرة، العشاء، والفجر ) وهي أوقات الراحة والنوم. قال أبو السعود : والتعبير عن ( الأوقات ) بالمرات للإيذان بأنّ مدار وجوب الاستئذان مقارنة تلك الأوقات لمرور المستأذنين بالمخاطبين لا أنفسها.