اللطيفة الثالثة : قوله تعالى :﴿ وَحِينَ تَضَعُونَ ثيابكم مِّنَ الظهيرة ﴾ صرّح تعالى في هذا الوقت بخلع الثياب وهو وقت القيلولة وعبّر بقوله :( حين ) للإشارة بقلة زمانها ولم يذكر وضع الثياب في الوقتين الآخيرين ( العشاء ) و ( الفجر ) وفي ذلك إشارة إلى أن أ مرهما ظاهر بيّن لا يحتاج إلى تصريح، فإذا كان وقت الظهيرة لا يحل الدخول فيه إلا بعد الاستئذان فوقت العشاء والفجر من باب أولى، لأنهما وقت الخلود إلى الراحة والنوم، والتكشفُ فيهما غالب.
اللطيفة الرابعة : قوله تعالى :﴿ ثلاث عورات لَّكُمْ ﴾ إطلاق ( العورات ) على الأوقات الثلاثة التي يكثر فيها التكشف ( للمبالغة ) حتى كأن هذه الأوقات هي نفسها عورات، والجملة مسوقة لبيان علة ( وجوب الاستئذان ) فكأن الله تعالى يقول هذه هي أوقات ظهور العورات فلا تدخلوا إلا بعد الاستئذان وفي التعبير من المبالغة ما فيه.
اللطيفة الخامسة : قوله تعالى :﴿ والقواعد مِنَ النسآء ﴾ المراد بها العجائز كما أسلفنا قال ابن قتيبة : سميت العجائز قواعد لأنهن يكثرن من القعود في البيت لكبر سنهن قال الشاعر :
أُطوِّفُ ما أطوّف ثم آوي | إلى بيت قعيدته لَكَاع |
اللطيفة السادسة : قوله تعالى :﴿ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ ﴾ ليس المقصود بذلك أن يضعن جميع ثيابهن وإنما المراد بعضها كالجلباب والرداء وهي الثياب الظاهرة التي لا يفضي وضعها لكشف العورة، فهو من باب ( إطلاق الكل وإرادة الجزء ) ويسميه علماء البلاغة ( المجاز المرسل ).
اللطيفة السابعة : قوله تعالى :﴿ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ ﴾ قال بعض العلماء :( إذا كان استعفاف العجائز عن وضع الثياب خيراً لهن فما ظنك بذوات الزينة من الشواب؟ وأبلغ من هذا أن التستر والتحفظ إذا كان مطلوباً من القواعد فكيف بالكواعب ) ؟!
والمرأة ولو كانت عجوزاً لا تشتهي فإنّ بعض النفوس قد تميل إليها وتشتهيها ولهذا ينبغي لها الاستعفاف. وفي الأمثال ( لكل ساقطة لاقطة ) وقد قال الشاعر في هذا المعنى :
لكل ساقطةٍ في الحي لاقطة | وكلّ كاسدةٍ يوماً لها سوق |
الحكم الأول : من المخاطب في الآية الكريمة؟
ظاهر قوله تعالى :﴿ ياأيها الذين ءَامَنُواْ ﴾ أنه خطاب للرجال، وقد قال المفسرون : إنّ الآية نزلت في ( أسماء بنت أبي مرثد ) فيكون المراد فيها ( الرجال والنساء ) لأن التذكير يغلب التأنيث.
ودخولُ سبب النزول في الحكم قطعي كما هو الراجح في الأصول فيكون الخطاب للرجال والنساء بطريق ( التغليب ).
وقال الفخر الرازي : والأولى عندي أن الحكم ثابت في النساء بقياس جلي وذلك لأن النساء في باب حفظ العورة أشد حالاً من الرجال، فهذا الحكم لمَّا ثبت في الرجال فثبوتهُه في النساء بطريق الأولى، كما أنَّا نثبت حرمة الضرب بالقياس الجلي على حرمة التأفيف.