قال الفخر الرازي : فالجزء الأول منسوخ الحكم والتلاوة، والجزء الثاني، وهو الخمس منسوخ التلاوة باقي الحكم عند الشافعية.
وأما الثاني :( نسخ التلاوة وبقاء الحكم ) فهو كما قال الزركشي في « البرهان » : يُعمل به إذا تلقته الأمة بالقبول، كما روي أنه كان في سورة النور ( الشيخُ والشيخةُ إذا زنيا فارجموهما البتّة نكالاً من الله والله عزيز حكيم ). ولهذا قال عمر :( لولا أن يقال الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتُها بيدي ).
وأخرج ابن حيان : في « صحيحه » عن ( أُبيّ بن كعب ) رضي الله عنه أنه قال :« كانت سورة الأحزاب توازي سورة النور - أي في الطول - ثمّ نسخت آيات منها ».
وأما الثالث :( نسخ الحكم وبقاء التلاوة ) فهو كثير في القرآن الكريم، وهو كما قال ( الزركشي ) في ثلاث وستين سورة.. ومن أمثلة هذا النوع آية الوصية، وآية العدة، وتقديم الصدقة عند مناجاة الرسول ﷺ، والكف عن قتال المشركين.. الخ.
وقد ألّف الشيخ هبة الله بن سلامة « رسالة في الناسخ والمنسوخ » جاء فيها ما نصه :
« اعلم أن أول النسخ في الشريعة أمرُ الصلاة، ثم أمرُ القبلة، ثم الصيام الأول، ثم الإعراض عن المشركين، ثم الأمر بجهادهم، ثم أمره بقتل المشركين، ثم أمره بقتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية، ثم ما كان أهل العقود عليه من المواريث، ثم هدر منار الجاهلية لئلا يخالطوا المسلمين في حجّهم » الخ.
فائدة هامة : ما الحكمة من نسخ الحكم وبقاء التلاوة؟
قال العلامة الزركشي :« وهنا سؤال وهو أن يسأل : ما الحكمة في رفع الحكم وبقاء التلاوة؟ والجواب من وجهين :
أحدهما : أن القرآن كما يتلى ليعرف الحكم منه، والعمل به، فإنه كذلك يُتلى لكونه كلام الله تعالى، فيثاب عليه فتركت التلاوة لهذه الحكمة.
وثانيها : أن النسخ غالباً يكون للتخفيف فأبقيت التلاوة تذكيراً بالنعمة، ورفع المشقة حتى يتذكر المسلم نعمة الله عليه.
الحكم الثالث : هل ينسخ القرآن بالسنّة؟
اتفق العلماء على أنّ القرآن ينسخ بالقرآن، وأن السنة تنسخ بالسنة، والخبر المتواتر بغير المتواتر؟
فذهب الشافعي : إلى أن الناسخ للقرآن لا بدّ أن يكون قرآناً مثله، فلا يجوز نسخ القرآن بالسنة عنده.
وذهب الجمهور : إلى جواز نسخ القرآن بالقرآن، وبالسنّة المطهرّة أيضاً، لأن الكل حكم الله تعالى ومن عنده.
دليل الشافعي :
استدل الإمام الشافعي على منع نسخ القرآن بالسنة بقوله تعالى :﴿ مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا ﴾ ووجه الاستدلال عنده من وجوه :
الأول : أنه قال :﴿ نَأْتِ ﴾ وأسند الإتيان إلى نفسه، وهو لا يكون إلا إذا كان الناسخ قرآناً.
الثاني : أنه قال :﴿ بِخَيْرٍ مِّنْهَا ﴾ ولا يكون الناسخ خيراً إلاّ إذا كان قرآناً لأن السنة لا تكون خيراً من القرآن.


الصفحة التالية
Icon