الثالث : أنه قال في الآية :﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ ؟ فقد دلت على أن الآتي بذلك الخير، هو المختص بالقدرة على جميع الخيرات، وذلك هو الله ربّ العالمين.
الرابع : قوله تعالى :﴿ وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ ﴾ [ النحل : ١٠١ ] حيث أسند التبديل إلى نفسه، وجعله في الآيات وهذا أقوى أدلته.
أدلة الجمهور :
احتج الجمهور على جواز نسخ الكتاب بالسنة بعدة أدلة نوجزها فيما يلي :
أ - نسخ آية الوصية وهي قوله تعالى :﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الموت إِن تَرَكَ خَيْراً الوصية لِلْوَالِدَيْنِ والأقربين ﴾ [ البقرة : ١٨٠ ] فقد نسخت هذه الآية بالحديث المستفيض وهو قوله ﷺ « ألا لا وصية لوارث » ولا ناسخ إلا السنّة.
ب - نسخُ الجلد عن الثيب المحصن في قوله تعالى :﴿ الزانية والزاني فاجلدوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ ﴾ [ النور : ٢ ] ولا مسقط لذلك إلا فعلُه ﷺ حيث أمر بالرجم فقط.
ج - وقالوا إنّ ما ورد في الكتاب أو السنة، كلّه حكم الله تعالى ومن عنده وإن اختلفت الأسماء، لأن الله تعالى يقول :﴿ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهوى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يوحى ﴾ [ النجم : ٣-٤ ].
د - وأجابوا عمّا استدل به الشافعي رحمه الله بأنه استدلال غير واضح. لأن الخيريّة إنما تكون بين الأحكام، فيكون الحكم الناسخ خيراً من الحكم المنسوخ، بحسب ما علم الله من اشتماله على مصالح العباد بحسب أوقاتها وملابساتها، ولا معنى لأن يكون لفظ الآية خيراً من لفظ آية أخرى، وإذا كان الأمر كذلك، فالمدارُ على أن يكون الحكم الناسخ خيراً من المنسوخ، أيّاً كان الناسخ قرآناً، أو سنة، لأنّ الكل تشريع الحكيم العليم.
الترجيح : ومن هنا يترجح رأي الجمهور، لأن الخيرية والأفضلية إنما هي بحسب اختلاف الأحكام شدة وتيسيراً وتمام الأبحاث مستوفى في علم الأصول.
الحكم الرابع : هل يجوز النسخ إلى ما هو أشقّ وأثقل؟
قال الإمام الفخر : قال قوم لا يجوز نسخ الشيء إلى ما هو أثقلُ منه، واحتجوا بأن قوله تعالى :﴿ نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ﴾ ينافي كونه أثقل، لأنّ الثقل لا يكون خيراً منه، ولا مثله.
والجواب : لمَ لا يجوز أن يكون المراد بالخير ما يكون أكثر ثواباً في الآخرة؟
ثم إنَّ الذي يدل على وقوعه أن الله سبحانه نسخ في حق الزناة الحبس في البيوت، إلى ( الجلد والرجم ) ونسخ صوم عاشوراء بصوم رمضان، وكانت الصلاة ركعتين فنسخت بأربع في الحضر.
إذا عرفت هذا فنقول : أما نسخ الشيء إلى الأثقل فقد وقع في الأمثلة المذكورة، وأما نسخه إلى الأخف فكنسخ العدة من حول إلى أربعة أشهر وعشر، وكنسخ صلاة الليل إلى التخيير فيها، وأما نسخ الشيء إلى المثل فكالتحويل من بيت المقدس إلى الكعبة.


الصفحة التالية
Icon