« رفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يُقيق، وعن الصبي حتى يحتلم » ولم يفرّق بين من بلغ خمس عشرة وبين من لم يبلغها.
وأما حديث ابن عمر : أنه عرض على النبي ﷺ يوم أُحد.. إلخ فإنه مضطرب لأن الخندق كان في سنة خمس، وأُحد في سنة ثلاث، فكيف يكون بينهما سنة؟ ثم مع ذلك فإن الإجازة في القتال لا تَعلُّق لها بالبلوغ لأنه قد يُرَدّ البالغ لضعفه، ويجاز غير البالغ لقوته على القتال. وطاقته لحمل السلاح كما أجاز ( رافع بن خديج ) وردّ ( سمرة بن جندب ) ويدل عليه أنه يسأله عن الاحتلام ولا عن السن.
وقد تكلم بكلام كثير انتصر فيه لمذهب الإمام حنيفة رحمه الله.
الترجيح : والصحيح هو قول الجمهور لما علمنا أن مثل هذا إنما يثبت بحكم العادة، وقد جرت العادة في الأغلب على الاحتلام في مثل هذا الس، فيكون هو سن البلوغ المعتبر في التكليف. وقد نص فقهاء الحنفية على أن الفتوى بقول ( الصاحبين ) وهو رواية عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله أيضاً فيكون هو المعتبر، وكفى الله المؤمنين القتال.
الحكم السادس : هل يعتبر الإنباتُ دليلاً على البلوغ؟
الراجح من أقوال الفقهاء أن البلوغ لا يكون إلا بالاحتلام أن بالسن وهي سن الخامس عشرة كما مر معنا، وقد روي عن الإمام الشافعي رحمه الله أنه اعتبر الإنبات دليلاً على البلوغ، واستدل بما روي عن ( عطية القرظي ) أن النبي ﷺ أمر بقتل من أنبت من قريظة واستحياء من لم ينبت، قال : فنظروا إليّ فلم أكن قد أنبتُّ فاستبقاني.
وما روي أيضاً أن عثمان رضي الله عنه سئل عن غلام فقال : هل أخضرّ عذاره؟ وهذا يدل على أن ذلك كان كالأمر المتفق عليه فيما بين الصحابة.
وبقية الفقهاء لا يعتبرون الإنبات دليلاً على البلوغ حتى قال الجصاص إن حديث ( عطية القرظي ) لا يجوز إثبات الشرع بمثله لوجوه :
أحدها : أن عطية هذا مجهول لا يعرف إلا من هذا الخبر ولا سيما مع اعتراضه على الآية والخبرِ في نفي البلوغ إلاَّ بالاحتلام.
وثانيها : أنه مختلف الألفاظ ففي بعض الروايات أنه أمر بقتل من جرت عليه الموسى، وفي بعضها من أخضرّ عذاره، ومعلومٌ أنه لا يبلغ هذه الحال إلا وقد تقدّم بلوغة.
وثالثها : أن الإنبات يدل على القوة البدنية فالأمر للقتل لذلك لا للبلوغ.
والصحيح أن الإمام الشافعي رحمه الله جعل الإنبات دليلاً على البلوغ في حق أطفال الكفار لإجراء أحكام الأسر، والجزية، والمعاهدة، وغيرها من الأحكام لا أنه جعله دليلاً على البلوغ مطلقاً، كما نبّه على ذلك بعض العلماء.