قال الألوسي : ومن الغريب ما روي عن قوم من السلف أنهم اعتبروا في البلوغ أن يبلغ الإنسان في طوله ( خمسة أشبار ) وروي عن علي كرم الله وجهه أنه قال : إذا بلغ الغلام خمسة أشبار فقد وقعت عليه الحدود ويقتصّ له، ويقتصّ منه.
وعن أنس رضي الله عنه قال : أُتي أبو بكر بغلام قد سرق فأمر به فشبر فنقص أنملة فخلّى عنه وبهذا المذهب أخذ الفرزدق في قوله :
ما زال مذ عقدت يداه إزاره | وسما فأدرك خمسة الأشبار |
عجباً لأربع أذرع في خمسة | في جوفه جبل أشم كبير |
استدل بعض الفقهاء من قوله تعالى :﴿ والذين لَمْ يَبْلُغُواْ الحلم مِنكُمْ ﴾ على أن من لم يبلغ وقد عقل يؤمر بفعل الشرائع وينهى عن ارتكاب القبائح - وإن لم يكن من أهل التكليف - على وجه التعليم، فإن الله أمرهم بالاستئذان في هذه الأوقات، وقال عليه السلام « مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع ».
وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال :« نعلِّم الصبي إذا عرف يمينه من شماله ».
وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال :« إذا بلغ الصبي عشر سنين كتبت له الحسنات ولا تكتب عليه السيئات حتى يحتلم ».
قال أبو بكر الرازي : إنما يؤمر بذلك على وجه ( التعليم والتأدب ) ليعتاده ويتمرن عليه فيكون أسهل عليه بعد البلوغ وأقل نفوراً منه. وكذلك يجنّب شرب الخمر، ولحم الخنزير، ويُنْهى عن سائر المحظورات، لأنه لو لم يمنع في الصغر، لصعب عليه الامتناع في الكبر، وقد قال الله تعالى :﴿ قوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً ﴾ [ التحريم : ٦ ] قيل في التفسير أي أدبوهم وعلموهم.
الحكم الثامن : ما المراد من وضع الثياب في الآية الكريمة؟
دلت الآية الكريمة وهي قوله تعالى :﴿ فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ متبرجات بِزِينَةٍ ﴾ على أن المرأة العجوز التي لا تُشْتهى والتي لا يُرغب فيها في العادة أنه لا إثم عليها في وضع الثياب أمام الأجانب من الرجال، بشرط عدم التبرج وإظهار الزينة، وليس المراد أن تخلع المرأة كل ما عليها من الثياب حتى تتعرى فإن ذلك لا يجوز للعجوز ولو كان أمام محارمها فكيف بالأجانب؟ ولذلك فقد اتفق الفقهاء والمفسرون على أن المراد بالثياب في هذه الآية ( الجلباب ) التي أُمِرت المسلمةُ أن تخفي به زينتها في قوله تعالى في سورة الأحزاب [ ٥٩ ]