﴿ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ ﴾ وهذا الإذن في وضع الجلابيب والخُمُر ليس إلا لأولئك النسوة العجائز اللاتي لم يعدن يرغبن في التزين، وانعدمت فيهن الغرائز الجنسية، غير أنه إذا كان لا يزال في هذه النار قبس يتقد، ويكاد يميل بالمرأة إلى إظهار زينتها فلا يصح لها أن تضع جلبابها.
قال القرطبي :( ومن التبرج أن تلبس المرأة ثوبين رقيقين يصفانها فقد روي في « الصحيح » عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال :« صنفان من أهل النار لم أرهما.. وذكر : ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسْنِمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا ». وفي رواية : من مسيرة خمسمائة عام ).
قال ابن العربي : وإنما جعلهن كاسيات لأن الثياب عليهن، وإنما وصفهن بأنهن عاريات لأن الثوب إذا رقَّ يصفهن ويبدي محاسنهن وذلك حرام.
قلت : هذا أحد التأويلين للعلماء في هذا المعنى، والثاني : أنهن كاسيات من الثياب عاريات من لباس التقوى الذي قال الله فيه :﴿ وَلِبَاسُ التقوى ذلك خَيْرٌ ﴾ [ الأعراف : ٢٦ ] وأنشدوا :

إذا المرءُ لم يلبس ثياباً من التُّقى تقلّب عُرياناً وإن كان كاسيا
وخيرُ لباسِ المرءِ طاعةُ ربه ولا خيرَ فيمن كان لله عاصيا
ما ترشد إليه الآيات الكريمة
أولاً : ضرورة استئذان الخدم من العبيد، والإماء في أوقات الخلوات.
ثانياً : تعليم الأطفال الآداب الإسلامية منها ( الاستئذان عند الدخول ) في الأوقات الثلاثة.
ثالثاً : لا يطلب من الخادم أن يستأذن في كل وقت لضرورة قيامه بالخدمة لسيده.
رابعاً : إذا بلغ الطفل سن ( المراهقة ) فعليه أن يستأذن قبل الدخول في جميع الأوقات.
خامساً : لا يجوز للمسلمة أن تنكشف أمام الخدم من الغلمان إذا بلغوا مبلغ الرجال.
سادساً : النساء العجائز لا يجب عليهن المبالغة في التستر والبس الجلباب لرفع الحرج عنهن.
سابعاً : التبرج وإظهار الزينة أمام الأجانب يستوي فيه العجائز والأبكار.
ثامناً : شرعُ اللَّهِ حكيم، ونظامه رحيم، فعلى المؤمنين أن يتمسكوا به.
حكمة التشريع
الإسلام رسالة إصلاحية فاضلة، وآداب اجتماعية سامية، ومُثُل إنسانية رفيعة، حوى خير ما في التشاريع من نظم ومبادئ، وخير ما في الأديان من سمو وأخلاق، فتعاليمُه الرشيدة تدعو إلى الكمال، ومبادئه الإنسانية تهدف إلى الإصلاح، وإن شئت فقل : إنه رسالة ( الفضائل والآداب ) بل إنه رسالة الحياة.
وفي هذه الآيات الكريمة دعوة إلى الآداب الإنسانية ( آداب البيوت ) وتعليم للأمة أن يتمسكوا بالأخلاق الفاضلة التي ربَّاهم عليها الإسلام، وأن يعلِّموا أطفالهم وخَدَمهم هذه الآداب الحميدة، لتبقى الأسرة المسلمة، والمجتمع المسلم، في منأى عن المفاسد التي تعجُّ بها المجتمعات الأخرى.
وأول ما يجده الإنسان من ( الآداب الاجتماعية ) أدب الاستئذان عند دخول البيوت، وقد تقدم في الآيات الكريمة السابقة


الصفحة التالية
Icon