﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حتى تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلِّمُواْ على أَهْلِهَا ﴾ [ النور : ٢٧ ]. ثم يأتي أدب الاستئذان ( داخل البيوت ) وهو للخدم والأطفال لئلا يطَّلعوا على العورات، فقد يكون الإنسان في حالة لا يحِبّ أن يطلع عليه أحد، وقد يكون مع أهله في حالة لا يصح أن يدخل عليه فيها أحد. لذلك فقد أوجب الإسلام الاستئذان حتى على ( الخدم والصغار ) في ثلاثة أوقات وسماها ( عورات ) لانكشاف العورات فيها وفي هذه الأوقات الثلاثة لا بد أن يستأذن الخدم، وأن يستأذن الخدم، وأن يستأذن الصغار المميزون الذين لم يبلغوا الحُلُم، كي لا تقع أنظارهم على عورات أهليهم وهو أدب رفيع يُغْفله الكثيرون في حياتهم، مستهينين بآثاره النفسية والخلقية، ظانين أن الخدم لا تمتد أعينهم إلى عورات السادة، وأن الصغار قبل البلوغ لا ينتبهون لهذه المناظر بينما يقرر - علماء النفس - أن بعض المشاهد التي تقع عليها أنظار الأطفال في صغرهم هي التي تؤثر في مستقبل حياتهم وقد تصيبهم بأمراض نفسية، وخلقية، وتوجد فيهم عقداً يصعب شفاؤهم منها.
وهذا الأدب الإسلامي الرفيع لا نجده عند غير المسلمين، ويكفي الإسلام فخراً وشرفاً أنه دين ( الأدب والستر ) ودين الحشمة والوقار، فهو يأمر بغض الأبصار عن عورات الناس ويخصص هذه الأوقات الثلاثة دون غيرها لأنها مظنة انكشاف العورات، ولا يجعل استئذان الخدم والصغار في كل حين منعاً للحرج؛ فهم كثيروا الدخول والخروج على أهليهم بحكم صغر سنهم أو قيامهم بالخدمة وبذلك يجمع بين ( الحرص ) على ستر العورات وإزالة ( الحرج ) والمشقة عن الناس.
وأخيراً يدعو النساء إلى إخفاء الزينة منعاً لإثارة الفتن والشهوات ويأمر بالتحجب الكامل والتستر الشامل. ويستثني النساء العجائز اللواتي لا يحركن شهوة، ولا يثرن فتنة، فيسمح لهن أن يخلعن ثيابهن الخارجية على ألا تنكشف عوراتهن ولا تظهر زينتهن، وخير لهن وهنَّ العجائز المسنات أن يبقين كاسيات متسترات محتشمات بثيابهن الفضفاضة فذلك هو أدب الإسلام وذلك هو استعفاف المؤمنة الطاهرة التي تريد أن تحفظ نفسها، وتصون كرامتها، وهو ما سماه القرآن ( بالاستعفاف ) أي طلب العفة وإيثارها على حب الظهور وذلك لما بين ( التبرج والفتنة ) من صلة، وبين ( التحجب والعفة ) من صلة وكفى بذلك برهاناً على سمو الشريعة وطُهْر مقصدها ونيل غايتها والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.


الصفحة التالية
Icon