﴿ وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ الله ﴾ [ المجادلة : ٨ ]. قال الأزهري : والتحية ( تَفْعِلة ) من الحياة، وإنما أدغمت لاجتماع الأمثال. والهاء لازمة لها والتاء زائدة، وروي عن أبي الهيثم أنه قال : التحية في كلام العرب ما يحيّي بعضهم بعضاً إذا تلاقَوْا قال الشاعر :
« تحيةُ بَيْنِهِم ضربٌ وَجيعُ »... ﴿ مباركة ﴾ : بالأجر والثواب، والبركة في اللغة أصلها : النماء والزيادة.
﴿ طَيِّبَةً ﴾ : حسنة طابت بالدعاء والإيمان أو تطيب نفس المحيّى بها، قال أبو بكر الجصاص : يعني أن السلام تحية من عند اله، لأن الله أمر به، وهي مباركة طيبة، لأنه دعاء بالسلامة، فيبقى أثره ومنفعته، وفيه الدلالة على أن قوله :﴿ وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ ﴾ [ النساء : ٨٦ ] قد أريد به السلام.
المعنى الإجمالي
يقول الله جلّ ذكره ما معناه : ليس على أهل الأعذار ولا على ذوي العاهات ( الأعمى، والأعرج، والمريض ) حرج أن يأكلوا مع الأصحاء، فإن الله تعالى يكره الكِبْر والمتكبرين، ويحب من عباده التواضع. وليس عليكم أيها المؤمنون حرج أن تأكلوا من بيوت أقربائكم أو أصدقائكم، أو البيوت التي توكّلون عليها، وتملكون مفاتيحها في غياب أهلها، ليس عليكم إثم أو حرج أن تأكلوا مجتمعين أو متفرقين، فإذا دخلتم بيوت إخوانكم أو أصدقائكم، فابدءوهم ابالسلام، وسلذموا عليهم بتحية الإسلام، التي هي شعار المؤمنين، تحية من عند الله مباركة طيبة، ذلك شرع الله وحكمه إليكم، لتتأدبوا بآداب الإسلام، وتتمسكوا بتعاليمه الرشيدة، التي فيها سعادتكم وصلاح دينكم ودنياكم، كذلك يبيّن الله لكم طريق الخير والسعادة لعلكم تعقلون الخير والحق في جميع الأمور وتكونون من المؤمنين المتقين.
سبب النزول
أولاً : عن ابن عباس رضي الله عنهما : لمّا نزل قوله تعالى :﴿ وَلاَ تأكلوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بالباطل ﴾ [ البقرة : ١٨٨ ] تحرّج المسلمون عن مؤاكلة المرضى، والزَّمنى، والعُمْي، والعُرْج وقالوا : الطعام أفضل الأموال وقد نهى الله تعالى عن أكل المال بالباطل، والأعمى لا يبصر موضع الطعام الطيّب، والمريض لا يستوفي الطعام بسبب مرضه، والأعرج لا يستطيع المزاحمة على الطعام، فنزلت الآية الكريمة ﴿ لَّيْسَ عَلَى الأعمى حَرَجٌ ﴾.
ثانياً : وعن سعيد بن المسيّب رضي الله عنه أنه قال : إن ناساً كانوا إذا خرجوا مع رسول الله ﷺ وضعوا مفاتيح بيوتهم عند الأعمى والأعرج والمريض وعند أقاربهم، وكانوا يأمرونهم أن يأكلوا مما في بيوتهم إذا احتاجوا فكانوا يتقون أن يأكلوا منها، ويقولون : نخشى أن لا تكون أنفسهم بذلك طيّبة، فنزلت هذه الآية.
ثالثاً : وروي عن مجاهد في هذه الآية أنه قال : كان رجال زمنى وعميان وعرجان وأولو حاجة، يستتبعهم رجال إلى بيوتهم، فإن لم يجدوا لهم طعاماً ذهبوا بهم إلى بيوت آبائهم وأمهاتهم وبعض من سمّى الله عزّ وجلّ في هذه الآية، فكان أهل الزّمانة يتحرجون من أكل ذلك الطعام، لأنه أطعمهم غير مالكة فنزلت هذه الآية.