وقد أكل جماعة من أصحاب الحسن من بيته وهو غائب، فجاء فرآهم فسُرّ بذلك وقال : هكذا وجدناهم، يعني كبراء الصحابة.
وكان الرجل يدخل بيت صديقه، فيأخذ من كيسه، فيعتق جاريته التي مكنته من ذلك.
قال ابن عباس : الصديق أوكد من القرابة، ألا ترى استغاثة الجهنّميّين حيث يقولون :﴿ فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ * وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ ﴾ [ الشعراء : ١٠٠ - ١٠١ ] ولم يستغيثوا بالآباء والأمهات.
اللطيفة الثالثة : اشتهر العرب بالكرم. وكان قوم من الأنصار لا يأكلون إذا نزل بهم ضيف إلاّ مع ضيفهم، وكات قبيلة ( كنانة ) يتحرّج الرجل أن يأكل وحده، فربما قدع والطعام بين يديه من الصباح إلى المساء، فإذا لم يجد من يؤاكله اضطر إلى الأكل وحده، وقد قال بعضهم مفتخراً :
إذا ما صَنَعْتِ الزّاد فالتمسي لهُ | أكيلاً فإنّي لستُ آكلُهُ وَحْدي |
اللطيفة الخامسة : قوله تعالى :﴿ بُيُوتاً ﴾ التنكير يفيد العموم، أي إذا دخلتم أيّ بيت من البيوت فسلّموا على أنفسكم، قال الفخر الرازي :( فسلّموا على أنفسكم ) قال ابن عباس : فإن لم يكن أحد فعلى نفسه ليقل : السلام علينا من قبل ربنا.
وقال ابن جرير الطبري : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال معناه : فإذا دخلتم بيوتاً من بيوت المسملين، فليسلّم بعضكم على بعض، قال : وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب، لأن الله جلّ ثناؤه قال :﴿ فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً ﴾ ولم يخصّص من ذلك بيتاً دون بيت، وقال :( فسلّموا على أنفسكم ) يعني : بعضكم على بعض، فكان معلوماً إذ لم يخصص ذلك على بعض البيوت دون بعض، أنه معنيّ به جميعها، مساجدها وغير مساجدها.
الأحكام الشرعية
الحكم الأول : ما المراد بالأكل من البيوت؟
دلت الآية الكريمة على إباحة الأكل من بيوت الأقرباء، وذلك جار مجرى المؤانسة والمباسطة وعدم الكلفة، وقد جرت العادة ببذل الطعام للأقرباء، لأنه بذلك يسرّهم، فكان جريان العادة بالإذن كالنطق الصريح، فيباح للإنسان أن يأكل من بيوت من سمّى الله تعالى من الأقارب.
وقد اختلف المفسّرون في قوله تعالى :﴿ أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ ﴾ على ثلاثة أقوال :
أحدها : أن المراد بها بيوت الأولاد، أي بيوت أولادكم لأنها في حكم بيوتكم.
الثاني : أن المراد بها البيوت التي يسكنونها وهم فيها عيال غيرهم، فيكون الخطاب لأهل الرجل، وولده، وخادمه، ومن يشتمل عليه منزله، ونسبها إليهم لأنهم سكّانها.
الثالث : أن المراد بها بيوتهم، والمقصود من الآية أكلهم من مال عيالهم وأزواجهم، لأن بيت المرأة بيت الرجل.