فعلى الرأي الأول يكون المراد بالخطأ الذي رفع عنهم فيه الإثم هو تسميتهم ( الأدعياء ) أبناء قبل ورود النهي. وأنّ العمد الذي ثبت فيه الإثم هو ما كان بعد ورود النهي، ويصبح معنى الآية : ليس عليكم إثم أو حرج فيما فعلتموه بعد الإسلام، وبيان الأحكام.
وعلى الرأي الثاني يكون المراد بالخطأ ما وقع منهم عن غير قصد أو تعمد، والعمد ما كان عن إصرار وقصح، ويصبح معنى الآية : ولا جناح عليكم فيما سبق إليه اللّسان على سبيل الغلط من نسبة الإنسان إلى غير أبيه بطريق الخطأ أو النسيان، وأمّا ما تقصّدتم نبته إلى غير أبيه مع علمكم بأنّ هذا الولد من غيره فعليكم الإثم والحرج.
وقد رجّح أبو حيّان في تفسيره « البحر المحيط » الرأي الثاني، وضعّف الأول وقال :( قوله تعالى :﴿ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ ﴾ قيل : المراد به رفع الحرج عنهم فيما كان قبل النهي، وهذا ضعيف، لا يوصف بالخطأ ما كان قبل النهي.
وقيل : فيما سبق إليه اللسان، إمّا على سبيل الغلط، أو على سبيل التحنّن والشفقة، إذ كثيراً ما يقول الإنسان للصغير : يا بني، كما يقول للكبير : يا أبي على سبيل التوقير والتعظيم ).
الحكم الخامس : ما هو حكم الاستلحاق في الشريعة الإسلامية؟
الاستلحاق الذي أباحه الإسلام، ليس من التبنّي المحرم المنهيّ عنه في شيء، فإنّ من شرط الحلّ في الاستلحاق الشرعي أن يعلم ( المستلحق ) بكسر الحاء أنّ ( المستلحَق ) بفتح الحاء ابنه. أو يظنّ ذلك ظناً قوياً، وحينئذٍ شرع له الإسلام استلحاقه. وأحلّه له. وأثبت نسبه منه. بشروط مبينة في كتب الفقه. أمّا التبنّي المنهيّ عنه فهو دعوى الولد مع القطع بأنه ليس ابنه، وأين هذا من ذاك؟
الحكم السادس : هل يباح قول : يا أخي أو يا مولاي؟
ظاهر الآية الكريمة ﴿ فَإِن لَّمْ تعلموا آبَاءَهُمْ فإخوانكم فِي الدين ومواليكم ﴾ أنه يباح أن يقال في دعاء من لم يُعْرف أبوه : يا أخي، أو يا مولاي، إذا قصد الأخوّة في الدين، والولاية فيه، لا أخوّة النسب وقرابته، فإن الله تعالى جعل المؤمنين إخوة ﴿ إِنَّمَا المؤمنون إِخْوَةٌ ﴾ [ الحجرات : ١٠ ] ومعلوم أنه لا يراد بها أخوّة النسب فدلّ على جواز قول المسلم : هذا أخي يقصد بها أخوّة الإسلام وقرابة الدّين.
وخصّ بعض العلماء ذلك بما إذا لم يكن المدعوّ فاسقاً. وكان دعاؤه ب ( يا أخي ) أو ( يا مولاي ) تعظيماً له فإنه يكون حراماً، لأننا نُهينا عن تعظيم الفاسق، فمثل هذا يُدْعى باسمه، أو بقولك : يا عبد الله، أو يا هذا، ففي الحديث الشريف ( لا تقولوا للمنافق يا سيّد، فإنه إن يك سيّداً فقد إغضبتم ربكم ).